وصلت إسرائيل والولايات المتحدة، في حربهما المشتركة ضدّ إيران، إلى ما يشبه السباق بين اتجاهيَن: الأول، الإقرار بأن الحرب بلغت نقطة حاسمة، مع تقلّص ناتج الإنجاز العسكري فيها، وارتفاع الثمن المحتمل والأضرار المدفوعة إسرائيليّاً من جرائها، بما يوجب بالتالي البحث في خيارات أخرى؛ فيما الثاني – الذي يعدّ أقلّ واقعية من الأول – يتمثل بمواصلة الضربات العسكرية أملاً في أن تؤدي إلى سقوط النظام الإيراني، وهي فكرة تبدو أقرب إلى التمنّي، وفقاً لِما يرد من طهران، ولكنها، من وجهة نظر الأعداء، تستحق المجازفة، رغم أنها، وهنا مفارقة الجدوى والكلفة، تقلّل من القيمة الإستراتيجية للإنجازات الحالية، وتصعّب ترجمتها إلى مصالحَ مستدامة، إذا لم تُترجم إلى انهيار حقيقي لنظام الجمهورية الإسلامية.
على أن التفكير في المسار الأول لا يأتي من فراغ؛ بل يستند إلى عوامل وأسباب مرتبطة بالصمود الإيراني الذي لم يأخذ مكانه المناسب على طاولة القرار لدى مباشرة الحرب، وكذلك بحقيقة أن المجتمع الإسرائيلي منهك، واقتصاد الكيان تحت ضغط، وأضرار الحرب تتزايد داخليّاً رغم كل التعتيم ومحاولات التعمية. ويزيد من ثقل هذا الثمن، أن إيران لا تُظهر أيّ مؤشرات واضحة إلى الانهيار الداخلي أو الاستسلام السياسي، وهو ما يضغط بقوّة على صانعي القرار في كل من واشنطن أولاً، وتل أبيب ثانياً.
أمّا المسار الثاني، فيعبّر عن رهان إستراتيجي يعتمد على استمرار الضغط العسكري والسياسي، مع أمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري في موازين القوى داخل طهران نفسها. إلّا أن هكذا رهان يفتقر إلى المؤشرات الواقعية التي تؤكد إمكانية تحقّقه، رغم أنه ليس مستحيلاً نظريّاً، وأن إرهاصاته بدأت عبر استهدافات إسرائيلية لمراكز قوى وأمن تابعة لنظام الجمهورية الإسلامية، قد تصل إلى استهداف مراكز شرطية داخلية، علّها تسهم في تأليب الداخل وتشجيعه، وفقاً للاعتقاد الإسرائيلي، على ما تسميه تل أبيب «نزول المعارضين إلى الشارع».
على أي حال، فإن كلا الاتجاهين يضعان الولايات المتحدة وإسرائيل أمام خيار صعب، ما بين الاستمرار في التصعيد، أو البحث عن مخرج ديبلوماسي. وإذا كان الاتجاه الثاني مغرياً، فإن الفشل فيه سيؤثّر في الأول، ويمنع، بمفعول رجعي، إمكانية ترجمة الإنجازات العسكرية إلى مصالح واتفاقات سياسية مستدامة، من شأنها أن تكبّل المشروع النووي لإيران، وتحدّ من نفوذ طهران الإقليمي. لكن التحدّي الحقيقي أمام واشنطن وتل أبيب، ليس في الاختيار بين السيناريوَين المذكورَين فقط، بل في القدرة على تحديد هدف إستراتيجي واضح، والتمسّك بخطّة تنفيذية قابلة للتطبيق أيضاً، وإنْ كانت نتائج الحرب تبقى معلّقة على قرارات الطرف الآخر، أي إيران، وطريقة تعامله.
وفي انتظار التغيرات المقبلة، يمكن وصف المرحلة الحالية بمرحلة الترقّب، المصحوب بمعركة استنزاف، تأمل كل من إسرائيل والولايات المتحدة أن يفضي الإنجاز العسكري المحقّق فيها إلى الآن، إلى نهاية مستدامة لمشروع إيران النووي، وإنْ مع رهان على أن يفتتح تواصل الضربات مساراً يؤدي إلى إسقاط النظام نفسه. وفي المقابل، ما تزال إيران تعمل على احتواء الهجمات وتفويت فرص الأعداء والتمسّك بالموقف الدفاعي الردّي، الذي يحدّد رهانات أعدائها ويقلّصها.
وقبل اتّضاح الموقف الإيراني الكامل، واتجاهات قرارات طهران التي ستظهر مدى قدرة النظام على الصمود، كما ردّها الذي يفترض أن يدفع إلى إعادة واشنطن وتل أبيب حساباتهما، يبقى من الصعب رسم مسار واضح لما سيأتي. لكن الواقع يقول إننا الآن أمام حرب تكتيكات لا إستراتيجيات واضحة فيها، رغم أهمية هذه المرحلة وحساسيتها. والأهمّ من ذلك كلّه، أن كل خطوة مستقبلية – سواء عسكرية أو ديبلوماسية – ستُقاس بناءً على ردّ فعل الطرف الإيراني، الذي يبدو، حتى اللحظة، وبحزم، غير مستعدّ للانحناء تحت الضغوط.