مجد بو مجاهد – النهار
فكرة التوغل الاسرائيلي في الأراضي اللبنانية على الحدود مع لبنان، مرسومة على مستندات طاولة الإعدادات والاقتراحات الخاصة بغرفة الحرب الإسرائيلية. حتى إنْ مبعوث إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، قال أنّ إسرائيل منفتحة على أفكار لتهدئة الصراع في لبنان وأن بلاده لا ترغب في اجتياح إنما تفضّل الحلّ الديبلوماسي، لكنّ الجيش الاسرائيلي لا يلغي فكرة التوغل الحدوديّ من حساباته انطلاقاً من تصريح عسكريّ رسميّ يبقي على كلّ الاحتمالات ممكنة لإعادة الأمن إلى مستوطنات الشمال الاسرائيلي، إضافة إلى تسريب مصادر عسكرية إسرائيلية معطيات عن إمكان تنفيذ اقتحام باتجاه أراضٍ لبنانية. كما أن فكرة كهذه مطروحة في الداخل الإسرائيلي عسكرياً وإعلامياً، رغم أن لا ضجيج لآليات حربية إسرائيلية على تخوم التوغل حتى الآن، في انتظار ما يمكن أن تستقرّ عليه الأوضاع والقرارات، وإذا كانت الوساطات الدولية ممكنة ترتيباً لمبادرة ديبلوماسية قادرة على ضمان حلّ أمني يرجع مستوطني الشمال. لقد كثرت أنماط التلويح في الآونة الأخيرة بإمكان أن تلجأ إسرائيل إلى عملية بريّة باتجاه القرى الحدودية اللبنانية المتاخمة بعدما أخليت من سكانها، في حال قررت الانتقال إلى بلورة الفكرة المرسومة عسكرياً والتي لا تزال موضوعة في الدُّرج. ويتأكد أنّ فكرة الاقتحام الحدوديّ قد نوقشت سابقاً على مستوى قيادات الجيش الإسرائيلي فيما ثمة من يحفّز أن يدخل توجّها مماثلاً مرحلة التطبيق في الأروقة العسكرية الإسرائيلية انطلاقاً من الاعتقاد أن الأوان حان لذلك، في موازاة من يعارض الانتقال إلى هذا التحرّك في الداخل العسكري والسياسي الإسرائيلي رغم أن التصوّر موضوعٌ مسبقاً للتوغّل الحدوديّ.
وفيما يمكن اختصار النتيجة التي يمكن إغداقها إن حصلت عملية عسكرية برية كهذه، في أنّها ستكون بمثابة بداية حصار إسرائيلي لـ”حزب الله” ومحاولة هادفة لتراجع مقاتلي محور “الممانعة”، بعد اتباع أساليب تكتيّة عسكريّة قائمة على تحويل القرى اللبنانية المتاخمة حدوديّاً إلى أرض محروقة، لكن ثمة استفهامات مطروحة حول إن كان قرار التوغّل يتلاقى مع أي هدف استراتيجي إسرائيلي رغم أنه قد يرغم “حزب الله” على التراجع حدودياً، لكنّه لن يقضي على قدرات الأخير، ولن يمنح الجيش الإسرائيلي مظلّة رادعة للشرارات الهجومية التي قد تصل من أماكن وجود مقاتلي محور “الممانعة” حتى في حال تراجعهم. حالياً، ثمة تمهّل في اتخاذ قرار من هذا النوع خصوصاً أنّه يترك محاذير على مقياس الارتدادات حيث إنه قد لا يستحقّ عناء اتّخاذه إن لم يكن متلاقياً مع تغطية دوليّة على الأقل، وهي مسألة غير متاحة حالياً خصوصاً أنّ وزارة الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية تعارض أي اجتياح للأراضي اللبنانية، فيما كان الإسرائيليون وضعوا هذا الاحتمال على طاولة المشاورات مع مسؤولين أميركيين في مرحلة سابقة.
إن عدم الموافقة الأميركية تشكّل بمثابة تهدئة لاقتراح التوغل. من هو على تواصل في لبنان مع أروقة ديبلوماسية أميركية، يسرد أجواء استقتها “النهار” فحواها أن “ثمة موقفاً إسرائيلياً ثابتاً يهدف لعودة المستوطنين إلى القرى الشمالية وهذا الموقف منسّق مع الإدارة الأميركية التي تسعى من ناحيتها لحلّ ديبلوماسي يرجع النازحين إلى مناطقهم شمال إسرائيل وكذلك يرجع نازحي القرى اللبنانية الحدودية، لكن المساعي لا تصل إلى نتيجة حتى اللحظة رغم أنّ الأميركيين يحاولون ما في استطاعتهم لخفض الاحتدام. وإذ لا تزال فكرة التوغل الحدودي موضوعة على الطاولة في إسرائيل، فإن الخارجية الأميركية لا تحبّذ فكرة كهذه وسط مساعٍ لا تتوقف لضخ محاولات إضافية للحلّ الديبلوماسي”.
لا يمكن إغفال تعقيدات الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط حيث يمكن لأي عمل حربيّ إسرائيلي على الحدود البرية أن يلقي بتبعاته شمولاً في احتمال تدخّل أذرع إضافية متحالفة مع إيران في مواجهات عسكرية جنوب لبنان، والحال هذه. إنّ كلّ هذه التفاصيل تجعل فكرة التوغل الإسرائيلي نحو داخل الحدود اللبنانية غير تلقائية التحقق، فيما التمهّل على حاله خصوصاً مع افتقار فكرة كهذه للغطاء الدوليّ. لكن ذلك لن يمنع الإبقاء كلّ الاحتمالات الإضافية بما فيها احتمال التوغل في هذه المرحلة إلى جانب الإبقاء على الضربات الإسرائيلية النوعية.
بحسب ملاحظات جغرافية يذكّر بها مصدر عسكريّ متقاعد في الجيش اللبنانيّ ومتضلّع من طبيعة الأرض جنوب لبنان، “إنها ليست المرة الاولى التي يفكّر فيها الجيش الاسرائيلي بتنفيذ اقتحام لجنوب لبنان حيث كان دخل بالطريقة نفسها مرّتين سابقاً ويمكن له أن ينفّذ توغلاً في المرحلة الحالية بعد الخروقات الأمنية القوية التي استطاعها ضارباً مقاتلي “حزب الله” وصولاً إلى توسّع القصف وتنفيذ استراتيجية الأرض المحروقة التي تشكّل بمثابة تحضير لاقتحام عادةً أو استعداد لاحتمال دخول بأقل خسائر ممكنة حيث يمكن تسمية هذه الاستراتيجية العسكرية بالعمل على تهيئة لمعركة أرضية أو لهجوم احتلاليّ لبعض المناطق الحدودية، حتى وإن لم تحصل المعركة لاحقاً”.
يتوخّى الهدف الاسرائيلي المطروح التوصل إلى المنطقة الخالية من السلاح جنوبي الليطاني وتالياً تنفيذ هذا الجانب تحديداً من القرار الدولي 1701. وإذا كانت أنماط ردّ “حزب الله” على الضربات الاسرائيلية ستحدّد مسار المرحلة أيضاً، فإنّ “حزب الله” لا يزال يتجنب المدنيين وللمنشآت في الداخل الاسرائيلي كما أنعدد الإصابات قليلة على مستوى الجنود الإسرائيليين، ما يبقي على الاحتدام ضمن قواعد محدّدة رغم الأضرار المادية ونزوح المستوطنين الشماليين. فهل ستبقى القرارات القتالية ضمن المعقول من الجانبين؟