صندوق النقد الدولي، أو كما يُسمّى “مُقرض الملاذ الأخير”، ليس قدراً. وعلى رغم صعوبة الأزمة اللبنانية ووجود تقديرات بأنّها بحاجة إلى سنوات عديدة لتُحلّ، لكنّها لا تعني أنّ عقد اتفاقية قرض مع “الصندوق”، والخضوع لإملاءاته السياسية، أمرٌ لا مفرّ منه. الخيارات البديلة موجودة، ما ينقصها هو النيّة وهوية السلطة المُمسكة بالقرار.
لا يعتقد وزير المال السابق، والاقتصادي جورج قرم أنّ إبرام اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي “أولوية. لو كان الأمر يتمّ ضمن برنامج إصلاحي يتضمّن إجراءات تأتي لصالح الطبقات الفقيرة والفئات العاملة، أي برنامج لإعادة إطلاق الحركة الاقتصادية… ماشي الحال، مُمكن اعتباره عندئذٍ يُعيد الثقة للمستثمرين الأجانب والمغتربين لإعادة ضخّ الأموال في البلد. القصّة مرتبطة بالوفد المفاوض، وكم سيتمكّن من تحسين شروط الصندوق المفروضة”.
و”إذا اخترنا عدم الخضوع لإملاءات صندوق النقد، فالخيارات الداخلية عديدة”. يقول قرم لـ”الاخبار”، إنّه “يجب فرض (هيركات) على الودائع الكبيرة فقط. منذ سنوات وأنا أنادي بضرورة تعديل النظام الضريبي المعمول به لزيادة إيرادات الخزينة العامة. لدينا نظام ضريبي كان معمولاً به في فرنسا القرن الماضي، حالياً علينا أن ننتقل إلى توحيد كلّ مصادر الدخل وفرض ضريبة موحّدة عليها، بحسب الدخل الذي يتقاضاه الفرد. إضافة إلى ذلك، يجب فكّ تثبيت الليرة رسمياً وتوحيد أسعار الصرف المتعددة لأنها أكبر جريمة تُرتكب بحقّ الاقتصاد. وإقرار قانون القيود على التحويلات المالية (الكابيتال كونترول)”. هذه الأمور أساسية من وجهة نظر قرم، وتُسهم في الانتقال من النظام الريعي إلى بناء اقتصاد مُنتج يُخفّف التبعية للخارج، “أكيد ممكن أن نستغني عن برنامج مع صندوق النقد، لكن كل ذلك غير ممكن من دون حاكمية جديدة لمصرف لبنان”.
ولكن من الضروري، وفق قرم، “محاسبة صندوق النقد والبنك الدولي، لسكوتهم طيلة سنوات على الممارسات التي كانت تجري”. يأخذ “معياراً” القرض الموقّع مع البنك الدولي والمُخصّص لمساعدة الأسر الأكثر حاجة بقيمة 246 مليون دولار، “لمعرفة مصير البرنامج مع صندوق النقد. ما هي التطورات في موضوع القرض؟ لماذا لا تتمّ مصارحة الناس؟ نحن اليوم أمام مشكلات شديدة التعقيد، كيف تُصرف المساعدات؟”.