رضوان عقيل – النهار
تكثر الأسئلة أمام “حزب الله” وخصوصا في الأيام الأخيرة بعد الخسائر التي تعرض لها في الصف الأول من قياداته العسكرية على مستوى أصحاب الرتب الرفيعة والمؤثرة في الهيكلية العسكرية، وفي مقدمهم إبراهيم عقيل، الاسم الذي شغل الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية طوال أربعة عقود.
ويقول مسؤول في صفوفه إن “كل الذين استشهدوا كانوا يعرفون هذه النهايات، ولم يخشوا يوما الشهادة”، في إشارة إلى أن كل من يسلك هذه الطريق يدرك أنه سيواجه المصير نفسه، مع الاعتراف بالتفوق التكنولوجي الذي تمتلكه إسرائيل و”عيونها” البشرية على الأرض في مناطق الحزب وبيئاته الاجتماعية، ولا سيما بعد ارتفاع معدل انتشار “المخبرين” من العملاء الذين يطلون برؤوسهم وينشطون في هذا التوقيت وفق أجندة المحرك الإسرائيلي.
ويعترف القيادي في الحزب بأخطاء ارتكبت من دون تقليل حجم الاستخبارات الإسرائيلية وإمكاناتها، لكن جسم الحزب في رأيه قادر على تكليف بدلاء من الراحلين والاستمرار بالمنهجية العسكرية المتبعة ضد إسرائيل ولو في عز سخونة المواجهات. وإذا كان الحزب لم يتلق كل هذه الخسائر إبان عدوان تموز 2006 على عكس ما هو حاصل اليوم فإن لهذا الأمر جملة أسباب، أبرزها:
في عدوان تموز لم يكن الجيش الإسرائيلي وأجهزة استخباراته على هذا المستوى من التطور الخارق تكنولوجيا. وثمة نقطة لا يمكن القفز فوقها هي أن عدد الأفراد المقاتلين في الحزب قبل نحو 18 سنة لم يتجاوز آنذاك حدود الـ10 آلاف شاب، على عكس الحال اليوم حيث تجاوزت أعدادهم المئة ألف، مع ملاحظة وجود جيل من العشرينات والثلاثينات من خريجي المعاهد العلمية والعسكرية الذين يواكبون تقنيات الحرب الحديثة. وهذا الانفلاش لدى الحزب بعد مشاركة وحداته في سوريا مكّن أجهزة مثل الموساد والشاباك من جمع “الداتا” وفتح قنواتها أكثر على كل ما يدور في فلك الحزب، علما أن أجهزة مخابرات غربية لا تغيب راداراتها عن متابعة الحركة في لبنان وسوريا وصولا إلى المستشارين العسكريين في اليمن والعراق.
ويردد مسؤول في الحزب أن “القيادة والقواعد تحزن بالتأكيد على الكوادر الذين يستشهدون في أرض المعركة، لكن هيكلية الحزب قادرة على ملء الشغور ولو في قواعد عليا وحساسة كتلك التي كان يحتلها إبراهيم عقيل والحلقة الأولى من فئة كبار الضباط في صفوف وحدات المقاومة وقوة الرضوان”.
أين بيئة الحزب من التطورات الأخيرة؟
لا يظهر الفصل بين قواعد الحزب وقياداته، بدليل أن أولاد المسؤولين في الحزب لا يتمايزون في حياتهم ويومياتهم عن سائر جمهور الحزب، إذ يتشاركون معا الأخطار والتهديدات نفسها في الضاحية الجنوبية ومناطقهم. وهذا ما يؤكده الأستاذ في علم الاجتماع السياسي الباحث طلال عتريسي، الذي يقول: “لا حاجة إلى الإثبات أن نسيج قيادة الحزب وكوادره العسكرية والسياسية غير منفصلة عن هذا الجمهور الذي يمتص كل الخسائر”.
وفي البعد الديني تركن قواعد الحزب إلى محطات “الإرث الشيعي” التي تمارس اليوم بحسب أصحاب هذه الرؤية دروسا تطبيقية، مع إسقاط تجربة عاشوراء على واقع ما يعيشونه، وإن كانت مثل هذه المقاربة الإيمانية لا تلقى المقبولية المطلوبة عند مكونات طائفية أخرى في البلد.
ولا يخفي الحزب أن أعداد الشبان المنضوين في صفوفه بعد قبول طلباتهم إلى ارتفاع، وخصوصا في الأشهر الأخيرة، من هنا لا خوف على شعبيته وثبات قواعده من الأعضاء الملتزمين في صفوفه.
وإذا كان الحزب لا يزال على الثوابت التي رسمها السيد حسن نصرالله وكررها الشيخ نعيم قاسم، فإنه مستعد لكل الخيارات ولو أدت المواجهات العسكرية إلى حرب شاملة تكون إسرائيل أول من دشنها أمس في شكل واضح. وعليه، فإن صواريخ “فادي 1 و 2” في اتجاه حيفا ما هي إلا رسالة صغيرة.
وفي القراءة السياسية، من المتوقع أن تسير إسرائيل على هذا المنوال من العمليات وعدم الاكتفاء بالاغتيالات، حيث تمارس عدوانا جويا كبيرا ضاعفت وتيرته أمس على طول مساحة الجنوب. ويتوقع متابعون أن تواصل تل أبيب عملياتها هذه على الأراضي اللبنانية حتى موعد الانتخابات الرئاسية أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، إذ يعمل بنيامين نتنياهو على تقديم هدايا مجانية للحزب الجمهوري ليفوز دونالد ترامب في وجه مرشحة الديموقراطيين كمالا هاريس، علما أن نتنياهو لن يتوانى عن تنفيذ عمليات اغتيال تستهدف قيادات في اليمن والعراق تنشط في صفوف المقاومة، ليظهر في موقع القادر على الوصول إلى حيث يريد. ومن يستهدف القيادي الأول في “حماس” إسماعيل هنية لا يتوانى عن ارتكاب مثل هذه العمليات في صنعاء أو بغداد. وقد اتخذت قيادات عدة في المحور جملة من الاحتياطات، مع تأكيد استمرار تطبيق الخيارات التي اتخذها محور المقاومة ضد إسرائيل، ولا سيما من طرف “حزب الله” الذي يقول إن العدو يستطيع أن يقتل الحالمين ولكن لا يمكنه القضاء على حلم هؤلاء.
