يوم الاثنين في 23 ايلول، وبفِعل القصف الاسرائيلي على مناطق بقاعية فجراً، نزح العديد من سكان بلدات حلبتا، زبّود، العين، النبي عثمان، اللبوة وبعلبك، سنّة وشيعة، إلى دير راهبات سيدة الخدمة الصالحة في بلدة جبّولة، وهي إحدى قرى قضاء بعلبك في محافظة بعلبك ـ الهرمل، فشرّعت الرئيسة العامة لراهبات الدير الأم جوسلين جمعة، الأبواب أمامهم برحابة صدر، وتمّ توزيعهم على ميتم الدير، وعلى مدرسته شبه المجّانية، بعدما حوّلتهما مركزي إيواء.
كما قصد النازحون دير مار يوسف في جديدة الفاكهة والتابع لراهبات سيدة الخدمة الصالحة، فاستضاف منهم 140 شخصاً يشكّلون 40 عائلة.
الرئيسة العامة لدير جبّولة أوضحت لـ”المدى” أنّ الدير “احتضن في اليوم الأول للعدوان 250 شخصاً قبل أن يستقرّ العدد على 815 شخصاً، أي 209 عائلة بينهم رجال ونساء وكبار سنّ وأطفال، وقدرتنا الإستيعابية لا تمكنّنا من استقبال المزيد من النازحين”.
وتابعت: “عند وصول الـ 250 شخصاً، تكفّلت الرهبنة بتأمين ما لديها من مونة لإطعامهم، ومن فرش وبطانيات كانت مخصّصة لإقامة المخيّمات الصيفية لأطفال الميتم وطلّاب المدرسة. ومع ارتفاع عدد النازحين إلى 815 نازحاً، دخلت إدارة الكوارث والصليب الأحمر الدولي وبعض الجمعيات والمحسنين على خط المساندة والدعم لتلبية الاحتياجات”. ولفتت إلى أنّ الدير “يتكفّل حتى اليوم بمصاريف الكهرباء والمياه والغاز، ونحن أصلاً رهبنة فقيرة نعمل يدوياً لنعتاش، كما نتكّل على دعم الأصدقاء والمؤسسات الكنسية”.
وشرحت الأمّ جمعة أنّ عدد راهبات سيدة الخدمة الصالحة يبلغ 40 راهبة تتوزّعن بين لبنان وسوريا، منهنّ 18 راهبة في الدير بينهنّ كبار في السنّ، وتعمل 4 راهبات شابات في خدمة النازحين، إحداهنّ لإعداد الطعام، وراهبتان في المدرسة والميتم لتسيير شؤون النازحين. وأشارت الى أنّ مطبخ الدير يؤمّن يومياً وجبات ساخنة للغداء بمعاونة بعض النسوة اللواتي تطوّعن للمساعدة. كما يؤمّن صباحاً الخبز، وجبنة أحياناً اذا توافرت.
وتحدّثت الأم جمعة “عن نقص في المواد الغذائية لتعزيز المطبخ الذي يفتقر إلى اللحم والدجاج والفواكه والخضار، إذ إنّ المساعدات المحلّية لا تتعدّى البرغل والحمّص والعدس والزيت، أمّا المساعدات الخارجية فلم يصل الينا أيّ شيء منها”. وتحدّثت عن معاناة أخرى تتمثّل في تراجع القدرة الشرائية للنازحين لتأمين احتياجاتهم، “فمنهم مياومون ولا يعملون اليوم، ومنهم فلّاحون ومزارعون، ومنهم أصحاب محال أُقفلت بفِعل الحرب”.
في الدير الذي سيستضيف النازحين الى أن تضع الحرب أوزارها، كما تقول الرئيسة العامة، يمارس النازحون طقوسهم الدينية كالمعتاد، كما يتردّدون الى كنيسة الدير، حيث يشعرون بالأمان والسلام الداخلي، “فهون بيت الله”، وفق ما نقلت عنهم.
أبواب الدير لم يقتصر فتحها على النازحين فقط، فقد حضن أيضاً منذ شهر طفلة حديثة الولادة تبلغ من العمر عدّة أيام، بعدما وُجدت مرمية في جانب الطريق في الهرمل، فنقلتها القوى الأمنية إلى الراهبات اللواتي أطلقن عليها اسم غريس، أي نِعمة بالفرنسية، وهنّ يَستَعْدِدْنَ لإعداد المغلي قريباً، ترحيباً بمولود جديد، بعدما أوشكت إحدى النازحات على وضعه.
ونفت الأمّ جمعة حصول أي مشاكل أمنية، “بل مشاكل عادية تحصل بين العائلات أو بين أفراد العائلة الواحدة”، ومنعت “إدخال أي قطعة سلاح أو حتّى عصا الى الدير”، وطمأنت الى التدابير الأمنية المشدّدة على مدخله”. وقالت: “النازحون أمانة في رقبتنا ورسالتنا خدمة الناس، متّكلين بذلك على العناية الإلهية، وليمنحنا الربّ القوة والصبر لكي نستمرّ”.
وأخيراً، شكرت الأمّ جمعة للمؤسسات المدنية والكنسية وللمحسنين في الداخل والخارج مساعداتهم للدير، كما شكرت المساعدات الفردية.