في الوقت الذي يشهد فيه ملفّ المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة تحرّكات جديدة، تبقى التساؤلات قائمة حول إمكان التوصل إلى إتفاق يضمن الإستقرار الإقليمي ويُزيل التوترات الطويلة بين الطرفين. فبعد انقطاع دام أكثر من 9 سنوات، بدأت الأطراف المعنية في إعادة فتح قنوات التواصل، في وقت تتصاعد فيه التحديات السياسية والأمنية في المنطقة.
ورغم الجهود المبذولة لتخفيف حدّة العداء بين طهران وواشنطن، فإنّ الطريق نحو اتفاق جديد ليس مفروشاً بالورود، بل يواجه عراقيل كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي، أبرزها معارضة إسرائيل، بالإضافة إلى الحسابات المعقّدة للولايات المتحدة في التعامل مع طهران.
فما هو مستقبل هذه المفاوضات؟ وهل يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة، أم أن العقبات التي تواجهها ستكون سبباً في فشلها؟
من ايران، اعتبر المحلل السياسي محمد غروي”أنّ ما جرى السبت يُعدّ جولة تفاوضية جديدة بعد انقطاع دام أكثر من تسع سنوات، وهو انقطاع خلّف مناخاً من انعدام الثقة، بل وعداءً متزايداً بين إيران والولايات المتحدة، خاصة في الأسابيع القليلة الماضية. فقد رفعت واشنطن سقف تهديداتها تجاه طهران، والتي ردّت بدورها بتصعيد مماثل، ما خلق مناخًا من التوتر الأمني والدبلوماسي في المنطقة”.
لكن ما حدث اليوم يمكن اعتباره نقطة تحوّل، برأي غروي، “إذ بدلاً من مواجهة عسكرية محتملة، جلس الطرفان – وإن بشكل غير مباشر – إلى طاولة مفاوضات. وهذا بحدّ ذاته خطوة مهمة، لأنّ الحروب غالباً ما تنتهي بالتفاوض، أمّا أن تبدأ المفاوضات قبل وقوعها، فهذه إشارة إيجابية، وإيران دخلت المفاوضات في مسقط بروحية جدّية، لا رغبة في التفاوض من أجل التفاوض، بل بهدف الوصول إلى تفاهمات قد تفضي إلى رفع العقوبات عن كاهلها”.
وأشار غروي إلى “أنّ الطرف الأميركي، رغم تهديداته السابقة، قرّر الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ما يعني تراجعاً ضمنياً عن مواقفه المتشدّدة. وعلى مدى ساعتين ونصف من الحوار غير المباشر، بدا أن الطرفين توصّلا إلى إتفاق مبدئي حول الإطار التفاوضي وخارطة الطريق. وتشير المعلومات إلى احتمال انعقاد جولات تفاوضية أسبوعية في الفترة المقبلة، قد لا تقتصر على سلطنة عُمان، بل تُعقد في دول أخرى أيضًا، بوساطة عمانية. ويُعدّ تحديد إطار للتفاوض تطوراً كبيراً وخطوة بالغة الأهمية، لأنه يتيح للطرفين تحديد الأجندة وترتيب الأولويات، وهو ما يُمهّد لجولات أكثر عمقاً في المستقبل”.
وذكّر غروي بأنّ ايران “قد شدّدت ومنذ البداية، على أن المفاوضات تنحصر في الملف النووي، ورفضت إدراج أي قضايا أخرى، مثل البرنامج الصاروخي أو تحالفاتها الإقليمية. في المقابل، حاولت واشنطن إدخال هذه الملفات على طاولة التفاوض، لكن الإيرانيين رفضوا ذلك تماماً”.
وأكد “أنّ هناك جداراً من عدم الثقة بين الطرفين، وأن بناء الثقة لا يمكن أن يتمّ بالكلام أو حتى بالضمانات المكتوبة، بل يتطلب خطوات عملية. ومن أبرز هذه الخطوات الممكنة، بحسب الرؤية الإيرانية، الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة في دول مثل كوريا الجنوبية وقطر، أو رفع بعض العقوبات عن أفراد وشركات إيرانية. مثل هذه الإجراءات يمكن أن تخلق مناخاً جدّياً للتفاوض وتؤسس لمسار تفاوضي بنّاء”.
وفي ما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، أوضح غروي أن إسرائيل “كانت تأمل بالحصول على الضوء الأخضر من واشنطن للقيام بعمل عسكري ضدّ إيران، لكن ما حدث كان العكس تماماً، إذ وجدت تل أبيب نفسها أمام واقع جديد هو انطلاق المفاوضات. وقد شعر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي زار الولايات المتحدة أخيراً، بالخذلان، حيث لم يكن على علم بالتفاهمات التي سبقت الإعلان عن التفاوض. وتشير الدلائل إلى أن نتنياهو استُدعي إلى واشنطن بشكل مفاجئ، وغادرها في أجواء من الإرباك والارتباك، ما أثار انتقادات في الإعلام الإسرائيلي”.
وإذ توقّع غروي أن يحاول نتنياهو “عرقلة مسار المفاوضات، سواء بالتصعيد الإعلامي أو السياسي أو حتى العسكري”، تحدّث في المقابل “عن وجود اجماع واسع في الداخل الإيراني، على الخطوط العريضة للسياسة النووية”. وقال: “الجميع، من الحكومة إلى الشعب إلى الأحزاب، يريدون التفاوض ورفع العقوبات، شرط أن تبقى إيران دولة نووية لأغراض سلمية وطبية فقط، وليس عسكرية. وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق، فمن المتوقع أن يحظى بتأييد شامل داخل إيران”.
أما في حال فشل المفاوضات، فإنّ أسوأ السيناريوهات المطروحة هو اندلاع مواجهة عسكرية، تبدأ بعدوان أميركي وتُقابل بردّ إيراني على القواعد والمصالح الأميركية في المنطقة. ومع أن هذا الاحتمال يبقى قائماً، إلا أنّ غروي يستبعده، “لعدم وجود مصلحة لأي طرف في اندلاع حرب جديدة. فالولايات المتحدة والعالم بأسره سيتضرّر من زعزعة الأمن في منطقة تمرّ عبرها نحو 80% من إمدادات الطاقة العالمية”. وفي رأيه، أن “المعادلة الأفضل للجميع هي رابح – رابح، وهذه هي الطريق الأضمن نحو الاستقرار. نحن نأمل ونتفاءل بأن تحمل المرحلة المقبلة مؤشرات إيجابية تمهّد لسلام مستدام في المنطقة”.