كشفت أبحاث جديدة أن الصفائح الجليدية في العالم تتّجه نحو ذوبان لا يمكن السيطرة عليه، ما سيؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار بمقدار عدة أمتار، وهجرة “كارثية” من السواحل، حتى في حال تمكّن العالم من تحقيق المعجزة والحد من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.
قام فريق من العلماء الدوليين بدراسة لتحديد ما إذا كان هناك “حدّ آمن” للاحترار قد يضمن بقاء الصفائح الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي. وقد استندوا إلى دراسات سابقة اعتمدت على بيانات من الأقمار الصناعية، ونماذج مناخية وأدلة من الماضي، مثل نوى الجليد، ورواسب أعماق البحار، وحتى الحمض النووي للأخطبوط.
وكان قادة العالم قد تعهّدوا بالحدّ من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، لتجنب أسوأ آثار التغير المناخي، لكن يتجه العالم للوصول إلى ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 2.9 درجات مئوية بحلول عام 2100.
اما أكثر ما يدعو للقلق في نتائج الدراسة، التي نُشرت في مجلة Communications Earth and Environment الثلاثاء ، يتمثل بأن حد 1.5 درجة مئوية قد لا يكون كافيًا حتى لإنقاذ الصفائح الجليدية.
رأى العلماء أنه حتى إذا حافظ العالم على مستوى الاحترار الحالي، الذي يبلغ 1.2 درجة مئوية، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع سريع للصفائح الجليدية وارتفاع كارثي في منسوب مياه البحار.
تحتوي الصفائح الجليدية في غرينلاند والقطب الجنوبي معًا على كمية كافية من المياه العذبة لرفع مستوى سطح البحر العالمي بحوالي 65 مترًا، وهو سيناريو غير مرجح، لكنه يجب أن يُؤخذ بالاعتبار لفهم حجم المخاطر بالكامل.
منذ تسعينيات القرن الماضي، تضاعفت كمية الجليد المفقودة من هذه الصفائح بمعدل أربع مرات، وتخسر حاليًا حوالي 370 مليار طن سنويًا.
يُعتبر ذوبان الصفائح الجليدية العامل الرئيسي في ارتفاع منسوب البحار، كما أن معدل الارتفاع السنوي لمستوى سطح البحر قد تضاعف خلال الثلاثين سنة الماضية.
أشارت العديد من الدراسات إلى أن الوصول إلى 1.5 درجة مئوية من الاحترار يُعد “مرتفعًا جدًا” لمنع التراجع السريع للصفائح الجليدية، وهو تراجع سيكون غير قابل للعكس ضمن المقاييس الزمنية البشرية.
وفقًا للدراسة، يجب أن يستعد العالم لارتفاع منسوب مياه البحار بمقدار أمتار عدة خلال القرون التالية.
وقال كريس ستوكس، أحد مؤلفي الدراسة وعالم الجليد في جامعة دورهام: “لن يتباطأ ارتفاع منسوب البحار عند 1.5 درجة، بل على العكس، سنرى تسارعًا سريعًا في الواقع”.
يُشكل ذلك تهديدًا وجوديًا لسكان السواحل حول العالم، إذ أن حوالي 230 مليون شخص يعيشون على ارتفاع يقل عن متر واحد (3.2 قدم) فوق مستوى سطح البحر.
أظهرت الدراسة أنه حتى التغيرات البسيطة في كمية الجليد الموجودة في الصفائح الجليدية يمكن أن “تغير بشكل عميق” سواحل العالم، ما يؤدي إلى نزوح مئات الملايين من الأشخاص، والتسبب بأضرار تفوق قدرة العالم على التكيّف.
كما وجد العلماء أن منسوب مياه البحار قد يرتفع بمعدل 1 سنتيمتر تقريبًا سنويًا (0.4 إنش) بحلول نهاية هذا القرن.
وقال جوناثان بامبر، أحد مؤلفي الدراسة وعالم الجليد في جامعة بريستول إنه “على هذا المستوى، والذي يعادل حوالي متر واحد خلال قرن واحد، سوف نشهد هجرات جماعية هائلة للأراضي، على نطاق لم نره من قبل منذ بداية الحضارة الحديثة”.
لا تزال هناك حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن مكان وقوع نقاط التحول، حيث أن طريقة تطور تغير المناخ ليست خطية، ومن غير الواضح بالضبط متى قد يؤدي الاحترار إلى تراجع سريع، وربما حتى انهيار للصفائح الجليدية.
وأظهرت النماذج المبكرة للعلماء أن درجات الحرارة كانت بحاجة إلى أن تصل لحوالي 3 درجات مئوية من الاحترار لزعزعة استقرار الغطاء الجليدي في غرينلاند، لكن التقديرات الحديثة لفتت إلى أن الأمر قد يتطلب فقط حوالي 1.5 درجة مئوية.
بهدف تفادي الانهيار السريع لواحدة أو أكثر من الصفائح الجليدية، خلص مؤلفو الدراسة إلى أنه يجب الحد من الاحترار العالمي ليقترب من 1 درجة مئوية فقط فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
هذا يتطلب خفضًا جذريًا في كمية الوقود الأحفوري الذي يحرقه البشر، وهو أمر يبدو غير مرجّح بشكل كبير في ظل استمرار دول، ضمنًا الولايات المتحدة، بالاعتماد على النفط، والفحم، والغاز.
وأوضح ستوكس أن العالم بدأ بالفعل في رؤية بعض أسوأ السيناريوهات تتحقق من حيث فقدان الجليد، مشيرًا إلى أن “ليس هناك الكثير مما نلاحظه يُعطينا الأمل في هذا الشأن”.
وأوضح أن “أفضل سيناريو ممكن هو أن يكون ارتفاع منسوب البحر بطيئًا وثابتًا”.