على مدى العقود الماضية، استفادت عشرات الجامعات الخاصة من فوضى المعادلات في المديرية العامة للتعليم العالي في وزارة التربية، لتضيف تسمية اختصاصات أو «تراكيز اختصاصات» لم تُدرج لا في مراسيم التراخيص لهذه الجامعات، ولا في القرارات المبدئية للجنة الأكاديمية الفنية، كما تقتضي الأصول القانونية، وراحت توزّع شهادات في هذه الاختصاصات يميناً وشمالاً. وطوال هذه المدة، خرّجت الجامعات عشرات الدفعات من الطلاب في هذه الاختصاصات، من بينهم طلاب هندسة خوّلتهم المعادلات المعطاة لهم من المديرية، خلافاً للقانون، دخول نقابة المهندسين أو تأسيس أعمال خاصة بهم.
قبل نحو 5 أشهر، قرّرت لجنة المعادلات الامتناع عن إعطاء معادلات لشهادات في اختصاصات أو «تراكيز» (اختصاص فرعي ضمن الاختصاص الأساسي، تشكل المواد المعلقة به نحو 30 في المئة من مواد الاختصاص) غير مرخصة أو لم تصدر فيها قرارات مبدئية، فعلت صرخة الطلاب الذين أدركوا، فجأة، أنهم ضُللوا ووقعوا ضحية الجامعات والوزارة معاً، فيما تتقاذف الجهتان اليوم المسؤولية.
فالإدارات الجامعية تقول إن اللجنة بدأت بتطبيق قرارها من دون سابق إنذار، بعد سنوات من إعطاء الشهادات والحصول على المعادلات من الوزارة، وإن هناك طلاباً تسجلوا في الاختصاص قبل هذا القرار، وبعضهم بات في مرحلة التخرج، وهؤلاء يحتاجون إلى تسوية أوضاعهم. في المقابل، ينفي المكلف متابعة شؤون إدارة المديرية العامة للتعليم العالي، مازن الخطيب، أن يكون تطبيق القرار مفاجئاً، مشيراً إلى صدور تعاميم عامَي 2020 و2023 بضرورة تسمية المؤسسة والكلية والبرنامج والاختصاص والتركيز وفقاً للتراخيص المعطاة رسمياً، وأهمية تقيّد الجامعات بالقرارات المبدئية لناحية تسمية الشهادات والمسارات.
يدخل، في هذا الإطار، ما حصل مع طلاب هندسة المعدات الطبية في الجامعة اللبنانية الدولية الذين قصدوا، أخيراً، وزارة التربية لمعادلة شهاداتهم الصادرة عن الجامعة في هندسة الإلكترونيك – تركيز هندسة معدات طبية – فاصطدموا بقرار الموافقة على إعطائهم شهادة في الإلكترونيك فقط، لكون تركيز الهندسة البيو طبية ليس وارداً في مرسوم الترخيص أو القرارات المبدئية للجنة الفنية.
ولم يلق الطلاب حتى الآن جواباً شافياً من إدارة الجامعة، رغم المراجعات اليومية، علماً أن المواد التي درسوها طوال مدة الاختصاص، كما قالوا، تصب في الهندسة البيو طبية، وهم يطمحون إلى إيجاد عمل في المستشفيات والشركات الطبية، وليس في هندسة الإلكترونيك التي «لا نعرف عنها شيئاً». فيما يلفت الخطيب إلى أن مواد «تركيز الاختصاص» لا تتجاوز عادة 30 في المئة من المواد المقررة في الاختصاص الأساسي!
وفيما تتهم مصادر الطلاب الجامعة بأنها «خدعتنا ولم تعترف بالمشكلة إلا في آذار الماضي، مع علمها بها منذ عام 2023»، أوضح مدير العلاقات العامة في الجامعة وائل سلوم أن الأخيرة تمنح شهادات في هندسة الإلكترونيك – تركيز هندسة معدات طبية منذ نحو 17 سنة (العام الدراسي 2006 ـ 2007)، وقد تقدّمت يومها بطلب الترخيص للاختصاص، لكن لم يكن في اللجنة الفنية خبراء في هذا المجال لدرس الملف، كما إن لجنة المعادلات كانت توافق على معادلة الشهادة تحت تسمية: هندسة الإلكترونيك – تركيز هندسة معدات طبية»، لافتاً إلى أن محتوى المواد يتمحور حول هندسة المعدات الطبية.
وأضاف: «نسعى مع الوزارة إلى تسوية أوضاع أكثر من 450 طالباً التحقوا بالاختصاص قبل بدء تطبيق القرار، ولم نسجل أي طالب في هذا التركيز في العام الدراسي المقبل قبل الحصول على ترخيص وإذن بمباشرة التدريس، وقد بدأنا بالإجراءات المطلوبة، ومن يراجعنا من الطلاب نشرح له ذلك بالتفصيل».
الخطيب، من جهته، يقر بأن تساهل لجنة المعادلات في الوزارة على مدى سنوات سمح لعشرات الجامعات بإضافة تراكيز على الاختصاصات المرخصة من دون الرجوع إلى المديرية العامة للتعليم العالي، و«هذا التركيز غير مذكور في مرسوم الترخيص، ولم ينل موافقة لجنة المعادلات قبل صدور قانون التعليم العالي 285/ 2014 ولا موافقة اللجنة الفنية الأكاديمية بعد 2018».
وأضاف: «نبّهنا الجامعات قبل أن نبدأ التطبيق فعلياً منذ 5 أشهر»، مشيراً إلى أن تركيز هندسة المعدات الطبية غير موجود في المراسيم والقرارات، و«قد اقترحت حلاً على إدارة الجامعة في المدة الانتقالية وريثما يتم تجديد الاعتراف، يقضي بأن توضع على الشهادة علامة معينة أمام المواد المتعلقة بمسار تخصص هندسة المعدات الطبية، لمساعدة الطلاب في إيجاد عمل في هذا المجال، من دون أن يكون هناك أي ذكر على الشهادة لهذا التركيز. وقد وصلني نموذج للشهادة التي ستعطى لهؤلاء الطلاب سندرسه ونأخذ القرار بشأنه».
وأوضح الخطيب أن حالة الجامعة اللبنانية الدولية ليست فريدة من نوعها. إذ إن الكثير من الجامعات اعتمدت «تراكيز» غير موجودة في المراسيم والقرارات المبدئية، مثل تركيز «التسويق الرقمي» في اختصاص إدارة الأعمال وغيره.