يحظى الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري باهتمام داخلي وخارجي، ليس في سبيل تأمين الشروط لتوفير الدعم الدولي والعربي للبنان فحسب، بل ايضا من اجل وضع لبنان على سكة التعافي والخروج من ازمته التي يتخبط فيها منذ العام ٢٠١٩.
وقبل ان تدرج الموفدة الاميركية مورغان اورتاغوس هذا الموضوع كبند اساسي في جدول اعمال مهمتها، لعبت وتلعب باريس دورا متقدما واساسيا للاسراع في الخطوات الاصلاحية في لبنان، اكان من خلال تركيز الموفد الرئاسي جان ايف لودريان على اهميتها، ام من خلال المؤتمرات التي نظمتها لدعم لبنان، والدعوات المباشرة التي وجهها الرئيس ماكرون للمسؤولين اللبنانيين في اكثر من مناسبة في هذا الاتجاه.
ومنذ انتخاب الرئيس عون ثم تشكيل الحكومة الجديدة، تصدّر موضوع الاصلاحات برنامج العهد، باعتباره حاجة لبنانية قبل ان يكون شرطا دوليا وعربيا للنهوض الاقتصادي في لبنان. وانطلاقا من ذلك تحاول الحكومة اليوم، ان تترجم تعهداتها في هذا المجال واستكمال انجاز مشاريع القوانين الاصلاحية، آخذة بعين الاعتبار الدعوات الدولية المتكررة للاسراع في الاصلاحات، وابداء صندوق النقد الدولي الاستعداد للتعاون معها من اجل توفير الدعم المالي للبنان.
وكما بات معلوما، فان الحكومة مهتمة باقرار بعض المشاريع الاصلاحية، او على الاقل وضعها في هذا الاتجاه، قبل سفر الوفد الرسمي الى واشنطن في ٢١ الجاري، لاجراء مفاوضات مهمة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والذي ينتظر ان يضم وزيري المال والاقتصاد ياسين جابر وعامر البساط وحاكم مصرف لبنان كريم سعيد.
وفي هذا الاطار، يرى مصدر وزاري ان هناك فرصة حقيقية للحصول على دعم الدول المانحة والهيئات الدولية اذا اسرعنا بالاصلاحات، مشيرا الى ان هناك خطوات وقوانين عديدة يجب اقرارها، وعلينا ان نباشر بانجازها وفق الاولويات المطلوبة، والتي وردت ايضا في البيان الوزاري للحكومة.
ومما لا شك فيه ان اصلاح المصارف واعادة هيكلياتها وقانون السرية المصرفية يشكلان جزءا مهما من القوانين الاصلاحية، الى جانب قانون الانتظام المالي العام الذي يعتبر اساسيا لاعادة اموال المودعين. وفي ضوء هذا التوجه، تسعى الحكومة في جلسة مجلس الوزراء غدا الى استكمال مناقشة مشروع قانون اصلاح المصارف واعادة الهيكلة واقراره، لاحالته الى المجلس النيابي من اجل درسه واقراره في اقرب وقت.
ورغم التوجه العام بهذا الاتجاه، فان هناك علامات استفهام حول امكانية البت به غدا، لا سيما ان هناك آراء متباينة داخل مجلس الوزراء، ليس حول مضمون مشروع القانون، وانما حول اولوية اقراره قبل اقرار قانون الانتظام المالي العام، الذي يعتبر قانونا اساسيا وملحا، نظرا لتعاطيه ومعالجته لازمة الودائع، وهو يشكل المدخل الاساسي لاعادة الاموال للمودعين، ويعتبر ايضا على رأس الاولويات المطلوبة، لا سيما ان قضية المودعين جاءت على رأس التعهدات التي وردت في خطاب القسم لرئيس الجمهورية وفي البيان الوزاري.
ووفقا لمصدر نيابي مطلع، فان المجلس النيابي كما عبر الرئيس بري اكثر من مرة، وما اكده للموفدة الاميركية، جاهز وحاضر لدرس واقرار القوانين الاصلاحية، وسبق ان انجز 18 قانونا في هذا الاطار، وينتظر من الحكومة احالة المزيد من هذه المشاريع لدرسها بكل ايجابية وتعاون.واضاف المصدر انه في هذا الاطار جاءت دعوة الرئيس بري لعقد اجتماع للجان النيابية المشتركة يوم الاربعاء المقبل، لدرس واقرار مشروع قانون رفع السرية المصرفية بتعديلاته الجديدة التي وضعتها الحكومة الحالية.
وحول امكانية عقد جلسة عامة للمجلس، يقول المصدر ان الجواب على هذا السؤال مرتبط بما سينتج عن الحكومة في خصوص مشروع قانون اصلاح المصارف، مشيرا الى ان عقد مثل هذه الجلسة مستبعد بطبيعة الحال الاسبوع المقبل، ومن غير المكن تأكيد او نفي عقدها قبل 21 الجاري، موعد سفر الوفد اللبناني الى واشنطن ومفاوضاته مع صندوق النقد والبنك الدولي، لان الامر يعتمد على الحكومة.
ويشار في هذا المجال الى ان الوفد الرسمي اللبناني سيجري مفاوضاته مع الصندوق الدولي حول مشروع اتفاق جديد، بعد اعادة الحكومة الحالية النظر بالاتفاق السابق الذي جرى في عهد حكومة الرئيس ميقاتي.
من جهة اخرى، يخشى مصدر سياسي من ان تكون المساعدات المالية من صندوق النقد، مربوطة مثل مساعدات الدول المانحة بشروط اخرى تتجاوز الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية، مشيرا في هذا المجال الى ما ينشر ويسرب بين الحين والآخر حول ربط الدعم الدولي للبنان، وبالتالي اعادة الاعمار بمطالب وشروط عديدة تتعلق بالضغوط لنزع سلاح المقاومة وحزب الله جنوبي وشمالي الليطاني.
ويقول المصدر ان من يعتقد ان معالجة سلاح المقاومة وحزب الله شمالي الليطاني في غصون اسابيع او شهر وشهرين هو واهم، كاشفا عن ان الموفدة الاميركية اورتاغوس على ضوء ما سمعته من المسؤولين اللبنانيين في زيارتها الاخيرة، ادركت وتدرك اولا ان هذا الموضوع بحاجة لمعالجة لبنانية، انطلاقا مما ورد في هطاب القسم، وان نزع سلاح حزب الله بالقوة غير ممكن في كل الاحوال، وهو سيؤدي الى انفجار الوضع في لبنان.
ويؤكد المصدر ان هناك حاجة الى الفصل الكامل بين موضوع الاصلاحات الاقتصادية والمالية وتقديم الدعم للبنان، لا سيما الاسراع بتوفير الدعم من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبين موضوع سلاح المقاومة وحزب الله.
ويعتقد المصدر ان هناك علامات استفهام حول امكان توفير مثل هذه المساعدات في فترة قريبة، معربا عن خشيته من ان تستخدم ورقة اضافية في اطار الضغوط التي تمارسها الادارة الاميركية على لبنان. فهل تتوسع ضغوط واشنطن في هذا الاتجاه، وتؤخر مساعدات صندوق النقد؟