لم تكن ارتدادات عملية “طوفان الاقصى” التي نفذتها حركة “حماس” على المستوى الفلسطيني في غزة والضفة الغربية فحسب، بل وصلت الى مخيمات لبنان. وقد أدخلت تعديلات جانبية على القرار 1701 من خلال لجنة الرقابة على تطبيقه والاتفاق غير المباشر الذي تم بين لبنان واسرائيل بإشراف أميركي بواسطة أموس هوكستين وولادة اللجنة برئاسة الجنرال الاميركي جاسبر جيفرز التي ستعمل على منع وجود أي سلاح لـ “حزب الله” والفلسطينيين أقله في بلدات جنوب الليطاني. وفي كواليس تلك المفاوضات الشاقة التي خاضها الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي، ثمة ملف جرى بحثه بإسهاب ومن دون ضجيج ويقضي بعدم وجود أي سلاح فلسطيني خارج كل المخيمات في الجنوب وبقية المناطق.
ومن الامور التي لم تكن محل قبول عند جهات فلسطينية ما يقضي بتسليم سلاح الفصائل للجيش اللبناني في مخيمات الرشيدية وبرج الشمالي والبص (صور) وتفكيك مواقعها بناء على مندرجات الاتفاق.
ويؤكد متابعون للملف الفلسطيني عدم وجود أي نقطة عسكرية للفصائل خارج المخيمات وهذا ما تمت ترجمته قبل أيام باخلاء “القيادة العامة”، و”فتح- الانتفاضة” و”الصاعقة” مراكزها في قوسايا وعين كفرزبد وحشمش وحلوة في البقاع فضلا عن موقع ” القيادة العامة” في الناعمة. وكانت كل هذه الفصائل تدور في فلك النظام السوري السابق.
وجاءت الخطوات الفلسطينية الأخيرة استكمالاً لما بدأت القيام به لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني برئاسة الدكتور باسل الحسن ومدير المخابرات في الجيش العميد طوني قهوجي إذ عمل الاثنان بهدوء على اتمام هذا الملف بدءا من شباط 2022 في مخيم نهر البارد في الشمال وإطلاق ورشة انمائية في المخيم وسحب الجيش منه 900 صاروخ. وأدت كل الجهود التي بذلتها لجنة الحوار والجيش والامن العام بتوجيه من اللواء الياس البيسري إلى هذه الخلاصة: عدم وجود أي سلاح فلسطيني خارج المخيمات حتى الآن.
وقد تسلم المالكون اللبنانيون أراضيهم في البقاع والناعمة في خطوة تركت أجواء إيجابية في المحيط حيث جمع الجيش كل الاعتدة العسكرية وكميات كبيرة من الذخائر والصواريخ التي كانت في حوزة هذه الفصائل. وجرى تطبيق خطة لجنة الحوار التي استفادت من التطورات الأخيرة في سوريا. ولم يكن من السهل إعلان “القيادة العامة” أنها قدمت سلاحها هدية للجيش.
وتفيد المعلومات أن الاتفاق الذي تم بين لبنان واسرائيل وبرعاية اميركية يقضي بعدم وجود أي سلاح فلسطيني داخل المخيمات وخصوصا تلك التي تقع في محيط صور في نطاق القرار 1701 أي جنوب الليطاني. وسيتم التركيز أكثر على هذا الموضوع بعد انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة لأنه من غير المنطق سحب سلاح “حزب الله” في هذه المنطقة تطبيقا للقرار الأممي والابقاء على سلاح المخيمات.
في موازة كل هذه التطورات في المخيمات التي لا تغيب عنها عيون الاستخبارات الغربية والعربية، وفي دلالة على تعاطي لبنان مع المجتمع الدولي وتعاونه معه، علمت “النهار” أن جهازا امنيا لبنانيا تمكن من توقيف المطلوب الفلسطيني عبد الهادي مشعل في الرشيدية (في العقد الرابع من العمر) وهو قريب من خلايا “القاعدة” وجماعات ارهابية أخرى وساهم في أكثر من عمل إرهابي في بلدان أوروبية ومصنف في خانة المطلوبين الخطيرين.
وحضر فريق أمني من الدنمارك إلى بيروت قبل أسبوعين وتسلم مشعل الذي يحمل الجنسية الدنماركية. وتخدم هذه العملية لبنان في مسألة الأسباب التي تساعده في تجنب وضعه على اللائحة السوداء لاحقا والتي لا تتعلق تفاصيلها بشؤون مالية فحسب، لأن نقاطا تتناول تجاوب الدول ومنها لبنان في تسليم المطلوبين من فئة “الارهابيين الدوليين”.
ما نفذته لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني بالتعاون مع الاجهزة الأمنية بمخارج مدروسة بعناية كانت محل متابعة من الرئيسين ميقاتي وبري ولم تلق اعتراضا من “حزب الله” نتيجة التغييرات العسكرية واللوجستية التي ولا سيما في الجنوب بعد الحرب الاخيرة والتطورات والدروس التي خلفتها على أرض الواقع. ويبقى ما اشتغلت عليه لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني هو ترجمة لالغاء “اتفاق القاهرة” الذي ولد عام 1969 وأوقف العمل به على الورق في حزيران 1987 في عهد الرئيس أمين الجميل بالتفاهم مع منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك لكن مفعوله بقي على الأرض إلى حين ولادة “1701 فلسطيني”.