تنشغل الكتل النيابية بالاستحقاق الرئاسي المعطل والذي دخل شهره السابع حيث يطغى هذا الملف على المشهد العام والحياة السياسية في البلاد وعلى متابعات المراجع الدينية وعلى رأسها البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يستعجل ويطلب من الجميع ممارسة الجهود المطلوبة وان يكون المعنيون على مستوى المسؤوليات الملقاة عليهم. ولم تقطع بكركي علاقاتها مع اي طرف ولو سيطرت عليها مناخات من المراوحة مع جهات فاعلة ومؤثرة في العملية الانتخابية في موقع الرئيس نبيه بري الذي درج على التواصل الدائم مع الكنيسة المارونية في مناقشة الاستحقاق الرئاسي. وكان قد بعث برسالة الى الراعي سبق ان اطلق اشارتها عبر “النهار” الثلثاء الفائت مفادها أنه لا يشجع ولا يرحب بالإقدام على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان قبل انتخاب رئيس للجمهورية على اساس انه من غير المنطق ان يصل الى قصر بعبدا ويكون الحاكم المعيّن قد سبقه على رأس المركز النقدي الاول في البلاد. ولا يطلق بري كلامه هذا من باب الغزل السياسي مع المسيحيين بل يزيد على ذلك ان موقعَي الحاكم وقائد الجيش وهما أرفع منصبين مارونيين يجب ان تكون الكلمة الاولى فيهما لرئيس الجمهورية. ويرى كثيرون ان الإقدام على التمديد للحاكم رياض سلامة قد يكون أسلم للبلد ولاستقرار سعر الدولار امام الليرة وانتظام العملية النقدية وضبطها الى حين انتخاب رئيس وتشكيل حكومة.
ويميز بري هنا منصب رئيس مجلس القضاء الاعلى حيث في الامكان ان لا يكون مارونياً لتسيير السلك العدلي. وبعد رفضه لائحة بكركي الرئاسية التي ضمت مجموعة من الاسماء المرشحة، تبين ان الراعي لم يحسم او بالأحرى لم يحصر المرشحين بهذه التشكيلة، ولم تكن هذه الخطوة محل ارتياح عند موارنة يطمحون الى الحلول في كرسي الرئاسة الاولى. وضمت تلك اللائحة خانات فارغة للاضافة عليها من الجهات التي عُقدت لقاءات معها. ولم يكن مستغربا تمسك رئيس المجلس بمرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية عند تلقيه هذه اللائحة التي وصلت أيضا الى”حزب الله” وكان رده على غرار موقف بري “نريد انتخاب فرنجية”.
لم يضع الراعي هذه اللائحة في اطار المحسوم بل جرى اطلاقها على شكل استشارة او محاولة للخروج من النفق الرئاسي، وان كل ما أراده من الدخول في هذه الجوجلة هو خلق دينامية من باب امكان المساعدة في انتخاب رئيس، ولو كُتب لها التحقّق لتلقت مباركة بكركي التي لا تتعاطى مع الاستحقاق على قاعدة انه يخص المسيحيين بل كل اللبنانيين، ولن تتوقف عن فعل الحثّ والمطالبة باجراء هذه الانتخابات. وبعدما قالت كل كتلة كلمتها لا يزال الوضع على حاله وتبقى الامور مفتوحة في ضوء الحديث عن امكان تقارب بين العونيين و”القواتيين” من دون ان تؤدي الامور الى ولادة اتفاق جديد بينهما. وتجري هذه المحاولة بالتعاون مع نواب آخرين في المعارضة من “تغييريين” وكتلة “تجدد” ومستقلين. وتدور بينهم ثلاثة اسماء للاتفاق على واحد منهم، وهم: النائب السابق صلاح حنين والوزيران السابقان زياد بارود وجهاد أزعور.
ولن تعارض بكركي مثل هذا المسعى اذا كُتب له النجاح إذ تريد بالفعل تحقيق مبادرات على الارض وليس مناورات يلجأ الافرقاء الى ممارستها بحسب مصلحة كل جهة وحشر الآخرين حيث لم يعد عامل الوقت يخدم اي جهة. وهذا ما يأمل بري تنفيذه قبل منتصف حزيران وموعد انتهاء ولاية الحاكم سلامة في تموز المقبل. ولذلك لن يدعو الا الى جلسة انتخاب منتجة تخلص الى انتخاب رئيس للجمهورية، على ان يليها تكليف رئيس للحكومة وتأليفها، ويعتبر انتخاب الرئيس المفتاح الذي يؤدي الى فتح ابواب كل الازمات ومشاركة الجميع في معالجتها.
في غضون ذلك، تتوقف بكركي بعد تكليفها من مجلس البطاركة وجمعها النواب المسيحيين الخوض في الملف الرئاسي عند كل التطورات في الاسابيع الاخيرة في المنطقة على مستوى الاتفاق السعودي – الايراني الى التقارب العربي مع سوريا واستعادة مقعدها في الجامعة العربية ، لكن ثمة خشية عند الكنيسة المارونية من ان تهدأ المواجهات العسكرية في منطقة وتنفجر في اخرى، وهذا ما حصل بعد وقف آلة الحرب في اليمن وانتقالها الى السودان. ولا يغيب عن بال الكنيسة ودوائر اهتماماتها ان تكون هذه الاتفاقات الكبرى على حساب لبنان او تركه يغرق في مشكلاته، مع التذكير بما جلبه “اتفاق القاهرة” عام 1969 واتفاق “كمب ديفيد” في آخر السبعينات الى غيرهما من المحطات التي لم تصب في مصلحة لبنان الذي تخشى مكوناته من ملف النازحين السوريين وما اذا كانت هناك نيات جدية في الداخل تريد بالفعل عودة هؤلاء الى بلدهم، او اذا كانت هناك جهات تعمد الى التركيز عليهم من باب التكتيك السياسي بغية تحقيق اهداف وغايات اخرى، فضلا عن ان المجتمع الدولي، ولا سيما منه الغربي، لم يبدِ الحماسة المطلوبة للمباشرة بوضع خطوات فعلية تساعد على عودة النازحين الى ديارهم وضرورة التوقف عند المعاناة الحقيقية التي يتكبدها اللبنانيون جراء تدفق موجات النزوح طوال السنوات الأخيرة.