عشية ذكرى 14 آذار التي تحلّ غداً، استذكر رئيس حركة “اليسار الديموقراطي” النائب السابق الياس عطاالله، هذه المحطة، وهو كان من أبرز وجوه تلك المرحلة، معتبراً “أنّ 14 آذار كانت أنضج محاولة حصلت في تاريخ لبنان، لكنها أُسقطت عمداً حتى من أهلها وخوفاً على مصالحهم ” .
وقال عطالله: “أمام هذا الحدث الذي لم يشهد لبنان له مثيلا،ً وتحت عناوين محددة بدقة، أساسها الحفاظ على الدولة القانونية المستقلة المطبقّة للدستور الذي أساسه وثيقة الوفاق الوطني والتي مُنعت من أن تولد بسبب نظام حافظ الأسد الذي أخذ تفويضاً أميركياً بعد حرب الكويت مقابل مشاركته مع الجيش الأميركي في مواجهة صدّام حسين، فأُطلقت يده في لبنان، وشُلّ تأثير اللجنة الثلاثية التي تكوّنت في الطائف من الجزائر والمغرب والسعودية وبمشاركة الجامعة العربية. حينها استبعد الأسد القوى العسكرية السورية لأنها كانت قوات ردع عربية وبقي فقط الجيش السوري في لبنان وقتها بدأ الاحتلال السوري والقوى الأمينة السورية تفرض على اللبنانيين وتحت اسم الطائف مشروع الاتفاق الثلاثي الذي عقد في دمشق فتهمّشت كل المكونات الأساسية للسلطة، من مجلس نواب ورئيس جمهورية ورئيس حكومة، واستبدلت بتدخلّات مباشرة من جهاز المخابرات السورية.
وبعدها تم تكليف الرئيس رفيق الحريري بتشكيل أول حكومة بعد الطائف، فحاول وضع لبنان على سكة النهوض إلاّ أن النظام السوري عرقل محاولته، لكنه ظل مصرّاً على المتابعة، فاغتيل.
وقبل اغتياله كانت قد نشأت حركة دموقراطية استقالية، من “المنبر الديموقراطي” و”قرنة شهوان” مدعومة من البطريرك صفير وجنبلاط وبتشجيع من الحريري وغيره من القوى السياسية التي كانت تسعى لاستعادة السيادة.
وبعد اغتيال الحريري، أُطلقت في أول اجتماع لهذه القوى، تسمية “انتفاضة الاستقلال” فيما البعض سمّاها “ثورة الأرز”، ولا خلاف على التسمية، وكانت حركة شعبية استثنائية منضبطة تحت عناوين وطنية لا تدخل في أي زواريب سياسية، ومطلبها الأول انسحاب الجيش السوري الذي كان متهما من كافة اللبنانيين باغتيال الحريري، وإسقاط السلطة اللبنانية وإنشاء المحكمة الدولية، وكان الجو الشعبي محمومًا وكسر الشعب حاجز الخوف وتقاطر اللبنانيون إلى ساحة الشهداء ولم يبرحوها من ليلة الاغتيال في 14 شباط حتى خروج الجيش السوري في 26 نيسان وسط الاصرار على تنفيذ مطالبهم”.
ورأى عطالله أن 14 آذار انتصرت، لكن بعد هذا الانتصار لم تتحقق كل المطالب، وقد دعوت شخصياً خلال تشييع الشهيد سمير قصير للصعود إلى قصر بعبدا واسقاط الرئيس اميل لحود، لكن فوجئت بأن شخصيات أساسية في 14 آذار رفضت تماماً دعوتي التي أصرّيت عليها وكنت قادراً على الصعود مع مئات الالوف من اللبنانيين لكنني تلقيت اتصالات هاتفية من كل من البطريرك صفير وجنبلاط وبعض السفراء لثنيي عن تنفيذ خطوتي، فتراجعت لعدم تجاوز رأي البطريرك ونزولا ًعند رغبة المتصلين، وأعتقد أن ما جرى كان أول خطوة إلى الوراء في مسيرة 14 آذار”.
وأضاف عطالله:” بعد فترة قصيرة، لم تعد الاجتماعات الاسبوعية منظّمة ومنتظمة مع اقتراب الانتخابات في حزيران، وبسبب أن الكثير من القضايا كانت تبحث من تحت الطاولة من تحالفات وخيارات سياسية كالتحالف الرباعي الذي وجّه ضربة كبيرة لرؤية 14 آذار، إذ قضى على التيار الشيعي الديموقراطي الذي كان لديه تمثيل كبير فانحصر التمثيل بالثنائي الشيعي، واستمر مسلسل التنازلات وتضييع الفرص إلى أن توّج بالرضوخ العسكري لـ”حزب الله” في 7 أيار ليستكمل في مؤتمر الدوحة مع التنازل عن مبادىء أساسية في دستور الطائف من مثالثة وثلث معطل ومعادلة ذهبية . ومنذ ذلك التاريخ عاش لبنان سنوات طويلة فاقداً لأي فرصة نهوض إلى أن وصلنا الآن إلى واقع يحمل بذور أمل بولادة دولة حقيقة “.