أوضح الباحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك الدكتور فيصل جلول أنّ “الحكم الحالي في سوريا وصل نتيجة صراع طويل، ولم يكن هدفه تغيير النظام لأسباب اقتصادية، أو الانتقال من نظام شمولي إلى نظام آخر، بل لأنّ النظام السابق أفاد الطائفة العلوية، والمُراد اليوم حكم يفيد الطائفة السنّية”. وأكد أن “هذا هو المضمون، وكل الحركات التي جاءت بها مجموعة أحمد الشرع تصبّ في هذا الاتجاه، حتى الشعارات في الشارع كانت “يا ايران جِنّي جِنّي بدّو يحكمنا سنّي”، والحركات الأولى للمعارضة سابقاً أو للجماعات التي كانت ولا زالت مصنّفة على لوائح الإرهاب العالمي كانت تسير في هذا الاتجاه، وقد رأينا حرق قبر الرئيس حافظ الاسد بصفته علوياً وفي قرية القرداحة العلوية. فبالتالي المطلوب كان تحقيق ما تمّت الدعوة اليه على الأرض. فعندما يكون برنامج الحكم مبنيّاً على إزالة الحكم العلوي واستبداله بحكم سنّي، فمن الطبيعي أن يكون تنفيذه على الأرض، وهذا ما حصل في الساحل السوري، و”هيئة تحرير الشام” لم تتحّدث فقط عن الحكم العلوي بل عن حكم الأقلّيات، ومن هنا نفهم سبب التعرّض للدروز وقلق المسيحيين والهجرة في صفوفهم والدعوات الأوروبية إلى حماية مسيحيّي الشرق. فلا يمكن الحديث عن مطالب اقتصادية للحكم وإنّما عن مطالب إثنية طائفية”.
وأعرب جلول عن اعتقاده بأنّ “مجازر الساحل السوري سترافق الحكم الحالي فترة طويلة، كما رافقت مجازر حماه حكم آل الأسد”، واستبعد وجود أي نية جدّية بمحاكمة المسؤولين عنها، “أو أن يتمكّن الحكم الحالي من معاقبة أشخاص تمّت تعبئتهم خلال فترة طويلة بأنّ العلويين والأقلّيات هم العدوّ”، وتساءل “كيف يمكن محاكمة منفّذين لاستراتيجية معلنة وليست خطأ تكتيكياً؟ فهل سيضحّي بمنفّذين على الأرض”؟ وأكّد مجدّداً “أن صور المجازر سترافق حكم الشرع لفترة طويلة ما لم تتمّ بالفِعل محاكمات جدّية وتنفيذ أحكام قاسية بحقّ المرتكبين”. وقال: “هذا ما يمكن الحديث عنه في هذا المجال، أما التفاصيل فرهيبة وتشي بحكم شبيه بحكم طالبان، وهذا يتنافى مع طبيعة مجتمع سوري علماني منذ زمن طويل، فكيف سيتمّ نقله إذاً من حالة الى حالة؟ لا أعرف، لكن هناك بالتأكيد خطر جدّي على وحدة سوريا ونجهل كيف سيتمكّن هذا النظام بوسائله الاقتصادية الضعيفة من تحقيق الوحدة الداخلية والمساواة بين المواطنين ووضع انطلاقة اقتصادية جديدة تتيح لهم طي صفحات الماضي، لكن لا نجد بوادر حتى الآن تشي بأنّ لدى هذا الحكم برنامجاً لطي صفحات الماضي بطريقة سلمية أو من دون معاقبة الماضي بكامله، فعقاب من هذا النوع لا يتيح إقامة نظام حكم مبني على المستقبل وليس على صراعات الماضي”.
وبعد إعلان لجنة التحقيق وتقصّي الحقائق عزمها على “ترسيخ العدالة وسيادة القانون وحماية حقوق وحريات مواطنيها ومنع الانتقام خارج إطار القانون وضمان عدم الافلات من العقاب”، قال جلّول: “لا نعرف إذا كان تطبيق ما سمعناه ممكناً، ولكن بالاستناد إلى الدعوات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي للانتقام، خصوصاً من قبل مجموعات لا تتحدّث بلهجة سورية، وربما تتبوّأ موقعاً مهمّاً في “هيئة تحرير الشام”، نسأل كيف يمكن أن تنصاع هذه الجماعات؟ وهل معاقبتها سيؤثّر على وحدة الحكم؟ بالتأكيد سيؤثّر سلباً، ولا اعتقد أن “هيئة تحرير الشام” ترغب في ضرب أسس تنظيمها أو إحداث خلل في قوّته”.
كذلك تساءل جلول: “ما دام ليس لدينا دستور وقوانين يجيزها، بعد حلّ الدستور السابق، فكيف سيطبّق القانون؟ وأي نوع من القوانين؟ هل ستطبّق إجراءات هي بمثابة القانون”؟ وأضاف: “حتى الآن ليس هناك ما هو معلن، والمعلن الوحيد هو أنه لن يتمّ العقاب خارج القانون، ومعناه أنه لن تُرتكب مجازر كما حصل في الساحل، ولن يتعرّض الدروز والعلويون والمسيحيون إلى الانتقام، وهذا رهن الاختبار، ومن مصلحة الحكم أن لا تقع مجازر جديدة، فنظامه تحت الاختبار بعدما نزع النظام الدولي الشرعية عن بشار الأسد، ولم يمنحها له بعد”.
وأكد جلّول أنّ اسرائيل “لاعب أساسي في سوريا، وتريد إبقاءها تحت تهديدها المباشر، ودفع نظام الحكم فيها بالاتجاه الذي ترغب به، فهذا أمر محسوم ولن تتراجع عنه إلّا بمقاومة مشروعها”.
ولاحظ جلّول من جهة ثانية، وجود معطيات قوية تتيح الحديث عن هدنة طويلة بعد الإتفاق بين دمشق و”قسد”، وتوقف عند الضغط الأميركي في الوصول اليه “وهو يستجيب للمطالب التركية بنزع سلاح الأكراد وشلّ حركتهم داخل حدود تركيا اليوم وفي المستقبل، ولذا استجابت تركيا لأن عناصر الإتفاق تغيّر الوجهة الاستراتيجية لـ”قسد”، وهذا الأصل في الإتفاق، على أهمية الوضع السوري الداخلي لكن لا يتجاوز العنصر الأهمّ فيه، أي مستقبل الصراع التركي ـ الكردي.
وأقرّ جلّول بتأثير هذا الاتفاق على ميزان القوى في سوريا، “لكن هذا التأثير سيكون لجهة حل المشاكل المتبقّية التي شكّلت لجان من اجلها ،فهذه اللجان هي التي ستكشف نوع المساومة المتوقعة بين الطرفين، لكن في كل الحالات، الإتفاق حدث مهمّ في الأزمة السورية ولا سيّما لجهة توقيته الذي جاء مباشرة بعد أحداث الساحل السوري.