سريعاً، تبخّر التفاؤل بزيارة مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل إلى لبنان. دوريل الذي يعود ساعياً إلى تفعيل المبادرة الفرنسية اصطدم بواقع سياسي شديد التعقيد، قادر على الإطاحة بأي مبادرة. لكن مع ذلك، لمس حرص كل من التقاهم على المبادرة، من دون أن يُترجم هذا الحرص بأي تقدم في الملف الحكومي.
في المقابل، لم يكن دوريل يحمل أي أفكار أو اقتراحات أو “تعليمات للدفع باتجاه تشكيل الحكومة، بقدر ما جاء ليستطلع إمكانية الاستفادة من العقوبات الأميركية لحلحلة عقد التأليف، أو بشكل أدق لاستطلاع إذا ما كانت العقوبات ستساهم في تراجع الرئيس العماد ميشال عون والنائب جبران باسيل وحزب الله عن موقفهم، وبالتالي تلبيتهم لمطالب الرئيس سعد الحريري. بهذا المعنى، فإن الزيارة لم تكن خارج سياق العقوبات الأميركية بل أتت مكمّلة لها. ذلك، دفع مصادر مطلعة إلى القول بحسب “الأخبار”، إن الضيف كان أقرب إلى المستمع، تمهيداً لنقل خلاصة جولته اللبنانية إلى الإليزيه الذي يتضح يوماً بعد يوم أن قدرته على التأثير محدودة. ولذلك، فقد كرّر الموقف الفرنسي المعروف، داعياً إلى تشكيل حكومة من اختصاصيين أكفاء، غير حزبيين، لكن متوافق عليهم من قبل كل الأفرقاء.
وإذا كان الحريري قد أمل أيضاً بأن تؤدي العقوبات إلى تليين موقف رئيس الجمهورية، فإنه تأكّد أمس أن الرئيس عون صار أكثر تشدداً بعدها، وقد دعا ضيفه إلى التفاهم مع الجميع قبل العودة إليه. أما حزب الله، فصار واضحاً أن “الحياد الإيجابي” الذي كان اتبعه مع حليفه، على قاعدة كل فريق يسعى إلى تحصيل مطالبه، انتقل بعد العقوبات إلى ضفة “مطالب التيار الوطني الحر هي مطالبنا”، ما يقطع على الحريري فرصة الرهان على عزل “التيار”. علماً أن الرئيس المكلف صار بدوره أكثر ارتباكاً بعد العقوبات. يخشى التقدم خطوة باتجاه تقريب وجهات النظر مع الخصوم، كي لا يكون مصيره مشابهاً لهم، خاصة وسط تردد معلومات عن إبلاغه تراجع الأميركيين عن غضّ النظر عن حكومة يتمثل فيها حزب الله، حتى لو باختصاصي. ومن جهة أخرى، يخشى الابتعاد عن عملية التأليف والاعتذار أو استعمال ورقة خاسرة تتمثل بتقديمه تشكيلة حكومية من 18 وزيراً لا يُوقّعها رئيس الجمهورية. كل ذلك يقود إلى خلاصة واحدة: الوضع الراهن مستمر، والأزمة الاقتصادية إلى اشتداد في ظل لا مبالاة كاملة من كل الكتل، بحسب “الأخبار”.