عمر البردان – اللواء
لا يأبه العدو الإسرائيلي للنداءات الدولية التي تطالبه بوقف إطلاق النار، والكف عن سياسته التدميرية والإجرامية التي يتبعها في عدوانه المستمر على الشعب اللبناني . وإذا كان الهدوء الحذر الذي خيم على ضاحية بيروت الجنوبية منذ عدة أيام، فإن همجية إسرائيل ما زالت مستمرة على طول مساحة البلد، ما يؤشر إلى أن الأمور مرشحة للتصعيد أكثر فأكثر، في ظل الدعم الأميركي الواضح لجيش الاحتلال بالاستمرار في مخططه الإجرامي ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني . ولا تستبعد أوساط سياسية تصعيداً متزايداً في الحرب الإسرائيلية على لبنان في الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخامس من الشهر المقبل . وهو أمر يحمل في طياته الكثير من المخاطر على لبنان وشعبه، في ظل تجاهل المجتمع الدولي لمجازر الاحتلال في لبنان وفلسطين .
ورغم إعلان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، عن تلقيه ضمانات أميركية بتخفيف التصعيد العسكري ضد بيروت وضاحيتها الجنوبية، إلا أن المخاوف ما زالت كبيرة من جملة اعتداءات جديدة قد يكون جيش الاحتلال بصدد التحضير لها، لاستهداف العاصمة والضاحية الجنوبية . باعتبار أن الإسرائيليين والأميركيين على حد سواء لا يأمن لهم جانب . وبالتالي فإن باب المفاجآت السلبية سيبقى مفتوحاً، طالماً لم يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار تلتزم به جميع الأطراف . وقد واصل في هذا السياق الرئيس ميقاتي اتصالاته العربية والدولية، سعياً لوقف التصعيد المتمادي من جانب العدو ضد الأراضي اللبنانية، وكذلك الأمر العمل من أجل عدم توريط لبنان بأي صراع إقليمي، يمكن أن يتأتى عن تطور المواجهة الإيرانية مع إسرائيل، وبما لا يزيد من الحرب الواسعة التي يشنها الاحتلال ضد لبنان . وقد جاءت مواقف نائب الأمين العام ل”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الأخيرة، لتؤكد أن “الحزب” يستعيد زمام المبادرة بشكل كبير، حيث كان كلام قاسم واضحاً، بأن صواريخ المقاومة ستطال كل إسرائيل، بعد استهداف العدو لكل لبنان . وهذا يؤشر إلى أن “الحزب” سيرد على اعتداءات إسرائيل المستمرة، بقصف صاروخي سيغطي كامل أراضيها بأحدث ما حوته ترسانته، في حال استمرت بعدوانها على الأراضي اللبنانية .
وخلافاً للموقف الأميركي المتماهي مع المخططات الإسرائيلية، فإن فرنسا ومن خلال الاتصالات التي أجراها الرئيس إيمانويل ماكرون مع الرئيسين ميقاتي ونبيه بري، تحاول التمايز عن غيرها من المواقف الغربية، لأنها تدرك خطورة المخطط الذي تعمل إسرائيل على تنفيذه في لبنان . وأشارت المعلومات إلى أن هناك دفعاً فرنسياً قوياً للعمل مع الأميركيين، من أجل صياغة مشروع لوقف إطلاق النار، ينطلق من خلفية البيان الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في لبنان، على أساس إعادة التزام جميع الأطراف بالقرار الدولي 1701، باعتبار يشكل الأرضية المناسبة لإعادة الأمن والاستقرار إلى جانبي الحدود . في وقت أكد الرئيس ماكرون للرئيسين بري وميقاتي العمل من أجل إيجاد مخرج لانتخابات الرئاسة في لبنان، بالتنسيق مع شركاء لبنان الدوليين، وبالتعاون مع المجتمع المدني والمسؤولين اللبنانيين.في إطار السعي لانتخاب رئيس توافقي على مسافة من جميع اللبنانيين، بغية الاستعداد لإشرافه على نشر الجيش اللبناني في الجنوب، بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار وطي صفحة الحرب .
وفي الوقت الذي تدرك فرنسا خطورة الوضع في لبنان، في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية، فإن مواقف باريس كانت واضحة، في دعوة كل مل الأطراف لتحمل مسؤولياتها، في إشارة إلى ضرورة الاستجابة لمقتضيات المصلحة اللبنانية العليا، لناحية العودة إلى جوهر القرار 1701، وفي العمل على مد اليد للمساعي الفرنسية الجارية مع العديد من القوى الإقليمية والدولية . ومن هنا أكدت باريس على رفضها لاستمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولذلك من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة، تزخيماً في الحراك الفرنسي الدائر، لوقف آلة القتل والتدمير التي تستهدف اللبنانيين . سيما وأن الجانب الفرنسي يخشى من توسع الحرب على لبنان إلى صراع إقليمي طاحن . ومن هنا فإن الجهود الفرنسية تتركز بالدرجة الأولى على أن المدخل للاستقرار، يكمن في التزام القرار 1701، ولذلك فإن هناك ضرورة ماسة، لتحقيق الاستقرار من خلال نشر الجيش اللبناني وتعزيز تواجده في الجنوب، بالتنسيق مع القوات الدولية .
ومع أن الجهود الفرنسية تضع الملف الرئاسي في سلم أولوياتها، فإن المشاورات التي لا زالت جارية على هذا الصعيد في الأروقة الداخلية، لم تسفر عن نتائج إيجابية لغاية الآن، رغم الحراك الذي يقوم به بعض سفراء “الخماسية” باتجاه عدد من المسؤولين ، في إطار الجهود الرامية لإزالة العقد من أمام إجراء الانتخابات الرئاسية في وقت قريب. إلا أن المعطيات لا تحمل على التفاؤل بإمكانية إحداث خرق حقيقي، باعتبار أن تطورات المنطقة المتسارعة، لا تساعد على توقع حصول تقدم جدي على هذا الصعيد . إذ أن “حزب الله” المعني بالاستحقاق الرئاسي أكثر من غيره، لا يضعه في سلم أولوياته، طالما استمر العدوان الإسرائيلي على لبنان. وهذا أمر يؤشر إلى استمرار المراوحة في ما يتصل بهذا الملف، في وقت يرفض فريق الممانعة أن تحاول أطراف داخلية استثمار نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان، من خلال السعي لفرض معادلات جديدة، تزيد الانقسام بين اللبنانيين، وتحول تالياً من انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت قريب .
وقد اعتبرت أوساط معارضة، أنه “لا يمكن لحزب الله في ظل وجود السياديين وقسم كبير من النواب، وتحلق شعبي كبير حول مطالب قوى المعارضة العابرة للطوائف، أن يفرض رئيساً على اللبنانيين، يكون طيعاً بيد هذا الحزب، بعدما خبر اللبنانيون هذه التجربة منذ العام 2008، وكم كانت نتائجها مدمرة على لبنان”. وتكشف أن “سفراء اللجنة الخماسية يشعرون بخوف على لبنان وعلى مستقبله، في ظل الظروف الإقليمية المتفجرة . ولذلك فهم يسعون إلى اقتناص أي فرصة جديدة، من أجل تحقيق توافق لبناني على انتخاب رئيس للجمهورية . وهم في كل اللقاءات التي يعقدونها، فإنهم يبدون مخاوف على الوضع الداخلي، إذا ما استمر الشغور القائم، ما يفرض العمل على إنجاز الانتخابات الرئاسية بسرعة، تفادياً للأسوأ .