انتشرت مؤخراً موجة كبيرة من المواقف الداخلية والخارجية التي تركّز على موضوع تخلّي حزب الله عن سلاحه مع غيره من سلاح قوى سياسية وفصائل فلسطينية، بإعتباره مطلباً داخليا مُحقّاً بعد توقف الحرب حسب السردية الرسمية «لأن الشعب اللبناني شبع من الحروب ويريد العيش بسلام واستقرار»، لكنه بنظر الكثيرين مطلب خارجي غربي «ملغوم»، لا يتعلق بمصلحة لبنان وتوفير استقراره فحسب، بل يتعلق بمصلحة الاحتلال الإسرائيلي أولاً وأخيراً في نزع كل عناصر القوة والقدرة على المواجهة لدى الدول العربية وحركاتها الشعبية الرافضة للإحتلال والتطبيع معه.
وهذا المطلب الخارجي بدأ ينطبق على سوريا عبر الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، وعلى اليمن عبر الغارات الأميركية العنيفة الكثيفة، وصولاً الى الضغوط والعقوبات المستمرة على إيران وكل دولة تتبنّى منطق مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
صحيح ان الشعب اللبناني، وأيضا الشعب الفلسطيني، بات يرفض الحرب ويريد التخلص من كل التوترات التي تطيح بإستقراره ولقمة عيشه وجنى عمره، لكن ثمة شريحة واسعة من هذا الشعب تريد الضمانات الكافية الموثوقة بحقه في العيش بأمان وكرامة واستقلالية، وهي غير متوافرة حالياً نتيجة تمادي إسرائيل في حروبها على كل الجبهات ونتيجة الانحياز الأميركي لها بالمطلق، وعدم رغبتها في تحقيق السلام بالمنطقة وقد تنصّلت من كل الاتفاقات التي أبرمت منذ تسعينيات القرن الماضي والوقائع الميدانية شاهدة على تنصّلها.
والسؤال المطروح: إذا كان تخليص لبنان من سلاح المليشيات والأحزاب أمراً مطلوبا وواجباً لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار، ما المصلحة في الوقت الراهن بأن يُثار موضوع سلاح حزب الله بشكل خاص وهو المقاوم للعدو الإسرائيلي، بينما لا زال العدو الإسرائيلي يستبيح أراضي وسماء وبحر لبنان بلا وازع أو محاسبة أو حتى مجرد سؤاله عن أسباب انتهاكاته لإتفاق وقف إطلاق النار ومنع الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل أراضي الجنوب لا سيما في القرى الحدودية، التي أعلن حزب الله انسحابه العسكري الكامل منها، مع التذكير بأن الأمين العام السابق للحزب الشهيد السيد حسن نصر الله، أعلن في احدى إطلالته خلال الحرب ان الحزب سحب معظم صواريخه الدقيقة والبعيدة المدى حتى لا تتضرر بفعل الغارات الإسرائيلية الكثيفة وأبقى على الصواريخ الخفيفة. وتبيّن لاحقاً انه بعد وقف إطلاق النار بقي الكثير من الصواريخ الخفيفة ومنصات إطلاقها وكميات من الأسلحة الخفيفة في منطقة الحدود، صادر قسماً منها جيش الاحتلال حسبما أعلن في أكثر من مناسبة وبالصورة والصوت، ثم تولى الجيش اللبناني بعد انتشاره في مناطق الجنوب مصادرة ما تبقّى منها وتفجيره وإتلافه، لأنه ممنوع عليه الاحتفاظ بالسلاح المصادر الصالح للإستعمال.
التزم حزب الله بما عليه في تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701، بينما خرقه العدو الإسرائيلي فور توقيعه، وهو وجّه مؤخراً رسالة دموية الى الرئيس الجديد للجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق الجنرال مايكل ليني خلال زيارته لبيروت، عبر شنّ غارات جوية أدّت الى ارتقاء شهداء وجرحى وتدمير حتى المنازل الجاهزة للمواطنين الجنوبيين العائدين الى قراهم، بما يؤكد عدم التزامه بما يتقرر في لبنان من إجراءات، متمسّكا بما اتفق عليه في اتفاق جانبي مع الإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية بإطلاق يده في لبنان حتى تدمير كل قدرات المقاومة تماماً كما يفعل في قطاع غزة المحتل.
في منطق حزب الله ومؤيديه الكثر، سحب السلاح من المقاومة يمثل عنصر ضعف للبنان بمواجهة أطماع ومشاريع الاحتلال الإسرائيلي، وما لم يتم التوصل الى معالجات حقيقة لإنهاء الإحتلال وإنجاز التفاوض على تثبيت الحدود البرية، لا ضمانة بأن يكون سحب السلاح عنصر تهدئة، طالما ان الاحتلال ما زال يسعى لفرض شروط على لبنان تنتهك سيادته وأمن شعبه ولإبقاء يده هي العليا بعدم الالتزام بأي تعهد لوقف الاعتداءات والانتهاكات. وبعد إنهاء الاحتلال وتثبيت الحدود البرية مع فلسطين المحتلة يمكن للأطراف اللبنانية البحث بهدوء ومن دون عوامل ضغط خارجي في مصير السلاح ليس من حزب الله بل من كل الأحزاب للتوصل الى حل بالتوافق يتيح تحقيق ما يطلبه الداخل والخارج من بسط سلطة الدولة وانتظام الأحزاب في العملية السياسية السلمية.
ولعلّ بعض من في الحكم يدرك هذه المعادلة، ولذلك يؤكد رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي مطلع كل نهار، على ضرورة الضغط على الاحتلال لينفذ ما عليه من اتفاق وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 ووقف الاعتداءات، ومن ثم تحضير الأرضية عبر الحوار للبحث في مصير سلاح المقاومة. وما لم يتحقق ذلك سيبقى طرح سحب السلاح من حزب الله بمثابة معزوفة سياسية غير قابلة للتنفيذ.