بعد رفع الدعم عن أمصال الأفاعي وانقطاع الاستيراد من سوريا، لجأ لبنان إلى بدائل هندية غير فعّالة. اليوم، تجربة محلية واعدة بانتظار تعميمها
مع ارتفاع درجات الحرارة، تبدأ الأفاعي بالخروج من جحورها، ما يؤدّي إلى ارتفاع عدد حالات اللدغ في مثل هذا الوقت من العام. وتشير بيانات وزارة الصحة إلى أن لبنان يسجّل نحو 300 حالة لدغ سنوياً، تتطلّب علاجاً فورياً بالأمصال المضادّة.
لكنّ الأزمة المالية التي أدّت إلى تقليص موازنة وزارة الصحة، ما دفع وزير الصحة السابق، فراس أبيض، قبل عامين، إلى اتخاذ قرار برفع الدعم عن خمسة أنواع من اللقاحات والأمصال، شملت: لقاحات الإنفلونزا التي تُعطى للحجاج، لقاحات الحمى الصفراء للمسافرين إلى أفريقيا، لقاحات الكَلَب، والأمصال المضادة لها، والأمصال المضادّة للدغات الأفاعي. وبُرّر القرار بأن لقاحَي الإنفلونزا والحمى الصفراء يمكن للراغبين بالسفر تحمّل تكلفتهما. أما الأمصال المتبقّية، ورغم الحاجة الملحّة إليها، فيمكن تأمينها عبر هبات أو بمساعدة من منظمة الصحة العالمية.
أدّى ذلك إلى انقطاع الأمصال التي كان لبنان يستوردها من مركز متخصّص في سوريا، نظراً إلى تشابه أنواع الأفاعي وسُمّيتها في البلدين. ورغم أن الوزارة تمكّنت من تأمين لقاحات وأمصال داء الكلب عبر هبة من منظمة الصحة العالمية، لم يشمل ذلك أمصال الأفاعي. فبعد دخول «قانون قيصر» حيّز التنفيذ، لم تعد منظمة الصحة قادرة على استيراد الأمصال من سوريا، ما اضطر الوزارة إلى الاعتماد على مبادرة شخصية من طبيب لبناني استخدم علاقاته مع وزارة الصحة السورية لتأمين بعض الكميات، فيما تمكّن عدد من المستشفيات من شراء هذه الأمصال من خلال إحدى شركات الأدوية الخاصة.
وأدّى ذلك إلى انتشار أمصال ذات منشأ هندي، رغم أنها غير فعّالة، لأن لبنان والهند لا يتشاركان في أنواع الأفاعي وخصائص سُمّيتها. ورغم ذلك، بيعت هذه الأمصال بأسعار خيالية وصلت إلى نحو 150 دولاراً للجرعة، في حين كانت وزارة الصحة توفّر المصل نفسه بـ6 إلى 7 دولارات فقط.
قبل الاعتماد على سوريا، كانت الأمصال تأتي مباشرة من شركة «باستور» التي تكفّلت بصنعها للبنان، إلا أن ضآلة الكمية التي كانت تراوِح بين 300 و500 مصل سنوياً، دفعت الشركة إلى تعليق الاتفاق.
وتؤكد رئيسة مصلحة الطب الوقائي في وزارة الصحة عاتكة بري أن العامين الماضيين مرّا على لبنان بصعوبة بسبب الخوف الدائم من انقطاع الأمصال، إضافة إلى أن الوزارة لم تعد تملك الرقم الرسمي لعدد من يحتاجون إليها لأنها لم تعد الموزّع الرسمي لها.
وبحسب إحصاءات سابقة، تراوح أعداد متلقّي الأمصال في المستشفيات بين 150 و300 سنوياً، وهي «أرقام طبيعية» بحسب بري، سيما أن «70 إلى 80% من الأفاعي في منطقتنا غير سامّة». لكن، في الفترة الأخيرة، «بتنا نرى حالات غير اعتيادية وقاسية»، ولا يعود ذلك إلى دخول أنواع جديدة من الأفاعي، وإنما لعوامل تتعلق بالتقلبات المناخية وما يصاحبها من تصحّر ودرجات حرارة مرتفعة.
وفي السياق، بدأت الجامعة الأميركية في بيروت أخيراً، بالتعاون والشراكة مع وزارة الصحة، إجراء دراسة في إطار العمل على حلّ شامل للأزمة. وأشرفت الاختصاصية في علوم السموم وطب الطوارئ، الدكتورة ثروت الزهران، على تجميع سموم الأفاعي وإرسالها إلى إحدى الشركات الأجنبية التي عملت على تصنيع أمصال مضادّة، و«بتنا اليوم في مرحلة التجربة السريرية وبدأنا استخدام هذه الأمصال، وحتى اللحظة لم نُبلّغ عن أي تأثيرات جانبية لها»، بحسب بري.
وفي إطار تسهيل إعطاء الأمصال للمحتاجين لها، خصوصاً في مناطق الأطراف، عملت الجامعة الأميركية على إرسال كميات صغيرة إلى بعض المستشفيات الحكومية، شرط التعاون مباشرة بين المستشفى والجامعة الأميركية لتقييم الحالة قبل إعطاء المصل.
ويُتوقّع مع انتهاء التجربة السريرية، أن يصبح المصل متاحاً ويُعمّم على معظم المستشفيات الحكومية، بإشراف وزارة الصحة، على أن تعمل الأخيرة لاحقاً على شرائه مباشرة من الشركة المصنّعة.