عيترون، بلدة حدودية من أكبر بلدات قضاء بنت جبيل في محافظة النبطية، تبعد عن العاصمة بيروت 110 كلم، وقد عاصرت العديد من الحروب منذ نكبة فلسطين عام 1948، ولغاية اليوم، وتعرّضت للمجازر الإسرائيلية، وقدّمت منذ تواجد العدو الاسرائيلي على حدودها الشرقية لجهة بلدة المالكية، خيرة شبابها خلال مواجهته في محطات مختلفة، على غرار سائر القرى المحاذية لفلسطين المحتلة.
يعتمد معظم سكان عيترون على الزراعة كمصدر دخل أساسي لمئات العائلات، كزراعة التبغ، وهي الأولى في زراعته، وكذلك على زراعة القمح والخضار والفواكه، وعلى منتجات الثروة الحيوانية.
وبحسب نائب رئيس البلدية علي حجازي، فـ”إنّ عدد سكان البلدة المقيمين يبلغ حوالي سبعة آلاف نسمة، ويرتفع الى تسعة آلاف في خلال فصل الصيف، من بينهم آلاف المهاجرين والمغتربين إلى أستراليا وكندا وألمانيا وغيرها من دول العالم. وعند بداية معركة طوفان الأقصى، وبعد امتداد تداعياتها إلى الجنوب، تعرّضت عيترون للقصف والغارات بشكل عنيف جداً وسقط عدد كبير من الشهداء المدنيين، وتمّ تهجير أهلها وحرق وإتلاف زرعها وتلويث تربتها، ونزح أبناؤها إلى مناطق أكثر أمناً، وحلّت آليات العدو ودباباته مكانهم، إلا أنّ يد الغدر الصهيوني طاردتهم إلى أماكن نزوحهم، فارتكبت إسرائيل مجزرة في بلدة ايطو الشمالية، راح ضحيتها 22 شهيدة وشهيداً بينهم أطفال من عيترون، غالبيتهم من عائلات حجازي ومرمر وفقيه، وأخرى في بلدة عين الدلب بقضاء صيدا استشهد فيها تسعة أفراد من عائلة فارس من عيترون ايضاً، ليرتفع بذلك عدد شهدائها الى 120 شهيداً”.
عيترون لا تزال هدفاً للعدوّ، كما يؤكد حجازي، “فقواته تتوغّل داخل البلدة حتى اليوم، في استمرار لخرق إتفاق وقف إطلاق النار، والغارات ناشطة، وقد دمّرت إحداها حيّاً سكنياً بأكمله يضمّ 89 وحدة سكنية، ونسف المنازل وتجريفها لا يتوقّف، والخسائر كبيرة جدّاً بعد استهداف المحال التجارية والأراضي الزراعية والمؤسسات التربوية والتعليمية والخاصة والمعالم الأثرية والمؤسسات الصحية العامة ومبنى البلدية والمنشآت العامة وشبكة الكهرباء ومولّدات الاشتراك، والمساجد الحسينية ومعمل الأجبان والألبان والثروة الحيوانية، فكل مرافق البنى التحتية استهدفت.
وصنّف حجازي ممارسات العدو “ضمن جرائم الحرب لأنه لم يراع الحدّ الأدنى من حقوق الإنسان ، بل قتل الطفل الصغير قبل الشيخ الكبير بغاراته الجوية وقصفه المدفعي وباستعماله القنابل الفوسفورية أحرق المزروعات ولوّث البيئة، ولم يسلم من إجرامه العاملون في المجال الصحّي بل أغار على مركز الدفاع المدني فاستشهد جميع المتطوعين”.
وأوضح أن البلدية لا تستطيع أن تتحمّل بمفردها هذا الحجم الكبير من الخسائر، مناشداً الحكومة اللبنانية والجهات المانحة المساعدة من أجل إعادة إعمار ما تهدّم والتعويض على أبناء البلدة من كافة النواحي.
وأشار نائب رئيس البلدية الى “أنّ العدو أطلق النار على كل من حاول الدخول إلى البلدة قبل أن يرفع ساتراً ترابياً على مدخلها الرئيسي لمنع الأهالي من العودة إلى منازلهم”، لكنّه طمأن “الغيارى” إلى أنّ عيترون “ستعود أجمل ممّا كانت، بفضل بجهود أبنائها وتعاونهم وتضافر الخيّرين”، مذكّراً إياهم بأنّ “من لم يبخل بتقديم الدم لن يتقاعس عن خدمة بلدته وتسخير كل إمكاناته في سبيل إعادة بناء بلدته وجعلها أجمل وأفضل ممّا كانت”.
وحيا حجازي أخيراً “أبناء بلدتنا العزيزة على صبرهم وتحمّلهم المشقات وتضحياتهم”، مثمّناً “دماء الشهداء التي ستُعيدنا إلى بلدتنا مرفوعي الرأس أعزّاء كرام لنعيد بناء كل ما خرّبه هذا العدو الغاشم”.