أشار الأمين العام لحزب الله، الشيخ قاسم، إلى أننا نواجه مشروعاً إسرائيلياً منذ سنة 1948 في المنطقة يستفيد من قوة عسكرية هائلة بهدف «زرع كيان في المنطقة استعماري يريد أن يتوسع ليُغير الشرق الأوسط الجديد».
وفي كلمة بمناسبة الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد القائد السيد مصطفى بدر الدين، لفت الشيخ قاسم إلى أن غزة استطاعت أن تخوض معركة «طوفان الأقصى» وأن «تفضح وتكشف هذا الكيان الغاصب الذي يعمل على الإبادة البشرية، ويعمل على قتل البشر وتدمير الحجر وإعدام الحياة وقتل الأطفال».
واعتبر أن تحقيق العدو هدفه بإنهاء المقاومة «أمر مستحيل، (…) حتى ولو أطال أمد الحرب». وقال: «مستحيل أن يتمكن نتنياهو، ولو اجتمعت الدنيا معه، أن يسلب الفلسطينيين أرضهم وحقهم ومستقبلهم، حتى ولو استمر كذلك إلى آخر ولايته».
وأكد قاسم أن المقاومة «قدمت إنجازات حقيقية في لبنان»، ومنعت إسرائيل من «أن تقضم تدريجياً كل كم سنة قسماً من لبنان»، لافتاً إلى أنها «قدمت في معركة أولي البأس صموداً أسطورياً ومنعت إسرائيل من أن تتقدم، وقدّم الشعب اللبناني والجيش اللبناني وكل هذا التفاعل مع المقاومة العطاءات والتضحيات، والجرحى والأسرى والتحمّل، من أجل منع إسرائيل أن تحقق ما تريد في لبنان».
وقال: «نعم، هي بقيت على خمس تلال، أو هي تأخذ مكاناً معيناً محدوداً، كان يمكن أن يكون هذا المكان العاصمة بيروت، وكان يمكن أن يكون في صيدا وفي أماكن أخرى، لولا المقاومة ومواجهة المقاومة».
المقاومة خيار دفاعي
وشدد قاسم على أن المقاومة «مطلوبة وضرورية»، فهي «خيار دفاعي ورؤية سياسية مرتبطة بتحرير الأرض والعزة والاستقلال والصمود»، لافتاً، في المقابل، إلى أن الاستجابة للتهديدات والاستسلام «تمثل خياراً آخر، هو خيار الخنوع والخضوع والقبول بمنطق القوة».
وقال: «نحن مع منطق الحق ولسنا مع منطق القوة. نحن بمنطق الحق نلتزم المقاومة ونستمر لندافع عن حقوقنا وأرضنا ومستقبلنا وشبابنا، وأمتنا وأجيالنا، أما الذين يقبلون بأن يستسلموا ويقدّموا تحت عنوان منطق القوة، هؤلاء لا خيار لهم، وهؤلاء يتحمّلون مسؤولية أنفسهم».
وسأل قاسم: «كم سيطول أمد الإسرائيلي؟ كم يستطيع أن يجري مناورات؟ كم سيكون عنده دعم؟ كم سيظل يقتل؟ كم سيبقى نتنياهو؟ لن يبقى الوضع على ما هو عليه»، مؤكداً أننا «سنبقى واقفين على أقدامنا وسييأس العدو من وقفتنا ومن تضحياتنا، وهذا الذي يقوم به العدو يزيدنا تشبثًا بمواقفنا والمحافظة على قوتنا».
وتطرق إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني، مؤكداً أن لبنان والمقاومة قاما بكل التزاماتهما بوقف إطلاق النار في جنوب نهر الليطاني، وتمكين الجيش اللبناني من نشر قواته ليكون هو القوة الوحيدة الموجودة في المنطقة، «بينما لم تنسحب إسرائيل ولم توقف عدوانها وخرقت الاتفاق أكثر من ثلاثة آلاف مرة».
العدو يريد إلغاء المقاومة بالسياسة
ولفت قاسم إلى أن العدو بعد أن فشل في إنهاء المقاومة في الحرب «يعتبر الآن أن استمرار ضغوطاته وعدوانه يمكن أن يؤدي إلى إنهاء المقاومة بالسياسة، من خلال الضغط على الدولة اللبنانية لتضغط على حزب الله في كل لبنان، وتجرّده من إمكاناته وقدراته، وهذا لا يمكن».
وأشار إلى أن العدوان الإسرائيلي قبل أيام على منطقة النبطية وإقليم التفاح «كان عدواناً صاخباً، هذا لعب بالنار، وهذا لن يجعل إسرائيل تأخذ أو تحقق ما تريد، وهذا برسم الدولة اللبنانية لتتحرك بفعالية أكثر، وبرسم الرعاة، أميركا وفرنسا ومن معهم»، داعياً الدولة اللبنانية إلى «أن تضغط وتتحرك أكثر».
وقال قاسم: «فليعلم الإسرائيلي ومن وراءه، أننا لن نخضع للتهديدات والضغوطات، لو اجتمع العالم ليسلبنا حقنا وأرضنا، لن نستسلم، سنواجه بكل أشكال المواجهة المتاحة، وبحسب المرحلة، ولكن لا استسلام. احذفوا الاستسلام من قاموسكم، هذا أمر لن يحصل مع وجود المقاومة».
وأضاف: «إذا ظنّ البعض أننا نُستفرد الآن في لبنان، وأن الكل ينقض علينا ليضغط بأساليب مختلفة من أجل أن نتراجع ونتخلى عن قوتنا ومقاومتنا، من دون التنسيق التفصيلي مع الدولة اللبنانية فيما يتعلق بحماية لبنان وقوة لبنان، فهو واهم».
إسرائيل و«خدامها» يعيقون استقرار لبنان
وإذ لفت إلى أن لبنان يتجه، اليوم، نحو الاستقرار، رأى قاسم أن ما يعيق الاستقرار هي إسرائيل وعدوانها، وأيضاً «إذا ازداد أو إذا تجاوب بعضهم في لبنان مع العدو الإسرائيلي، فهذا يعني أنهم يضعون الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي على طريق الهاوية»، مؤكداً أن لبنان «لا يمكن أن يكون مستقراً بعزل مكون، أو بمحاولة الاستفراد، أو بالضغط على المقاومة من أجل أن تقدم ما لا يصح أن يُقدّم بعد كل ما قدمته ولم تلتزم إسرائيل على الإطلاق، (…) أما أن يفكر أحد أن الدولة تسير ويسير الاستقرار ونحن نبقى معزولون جانباً، والضغوطات علينا، ضغوطات من الخارج وضغوطات من الداخل، وأن الأمور عادية؟ لا، ليست عادية، لا يمكن أن يحصل الاستقرار. هذا البلد يستقر عندما نكون جميعنا متعاونين ومستقرين».
رسالة لجمهور المقاومة
ووجه الشيخ نعيم قاسم رسالة لجمهور المقاومة قائلاً: «أنتم من يستعيد الأرض بثباتكم. أنتم مستقبل لبنان الواعد، مع مقاومته وجيشه وشعبه التواق إلى الاستقلال والحرية».
«أما لهؤلاء، وهم قلة في لبنان، الذين يخدمون إسرائيل بمواقفهم»، قال قاسم: «لا تكونوا خُدّاماً لإسرائيل. أنتم بهذه الطريقة تعيقون وتعطلون البلد، وتسيئون إلى البلد. أنتم بهذه الطريقة تمنعون المشاركة الحقيقية والتفاعل الحقيقي. لا تبرروا لإسرائيل ما تفعل. معقول أن يقال إن قصف النبطية ليس له علاقة بلبنان؟ لأن هذا قصف على ناس ليس لهم علاقة بالتركيبة اللبنانية أو بالواقع اللبناني؟ من هذا الذي لديه عقل ويقول هذا الكلام ويقف في هذا الموقف»؟
أضاف: «خُدّام إسرائيل يخطئون كثيراً، نقول لهم: عودوا إلى وطنيتكم، عودوا إلى لبنانيتكم، عودوا إلى أن نتعاون ونكون شركاء».
شركاء في العهد الجديد
ورأى قاسم أن العهد الجديد، برئاسة العماد حوزاف عون، «فيه آمال كبيرة، ولا يعتقد أحد أن هذا العهد الجديد يُلغي كل الآخرين، أو أنه يقوم بشيء لا يقوم به الآخرون»، مؤكداً «أن هذا العهد الجديد نحن شركاء فيه، ونحن جزء منه، نحن كحزب الله وحركة أمل قدّمنا المساهمة الكبرى يوم انتخاب فخامة الرئيس جوزيف عون، وأثبتنا للجميع أننا في إطار بناء البلد وانطلاقته».
وتطرق إلى عودة العلاقات بين لبنان والدول العربية ودول العالم، مؤكداً أننا «نريد أن تعود الدول العربية إلى لبنان، ونريد لدول العالم أن تتعاون مع لبنان، نحن نريد لمن اتخذ مواقف سابقة لأسباب مختلفة أن يعود إلى لبنان، لأننا نعتبر أن فيه مصالح مشتركة، لكنه طالب تلك الدول بألا تفرض «خياراتها المضرة» بلبنان، «ولا تغلّبوا فريقًا على آخر بغير وجه حق. إنما لكم مصالح في لبنان، (…) خذوا مصالحكم وأعطونا مصالحنا في لبنان كلبنانيين، وبالتالي نتعامل كدولة لدولة، كند لند».
الأولويات الثلاث
وأشار الشيخ قاسم إلى أن هناك أولويات ثلاثة يجب السير بها معاً، «أولوية وقف العدوان الإسرائيلي والانتهاكات الجوية المتكررة والاحتلال والإفراج عن الأسرى، هذا أمر أساس يجب أن يحصل، والدولة اللبنانية معنية بأن تضغط بكل إمكاناتها».
أما الأولوية الثانية فهي إعادة الإعمار «وهو واجب على الحكومة، ويجب أن يبدأ موضوع إعادة الإعمار»، وهنا طالب قاسم الحكومة اللبنانية «بأن تضع هذه النقطة على أول جلسة من جلسات أعمالها، لأنه لا يصح أن يتأخر هذا الموضوع، لا يوجد مبرر، على الأقل ضعوا الإطار العام، الخطوات العامة، تشكيل اللجنة أو اللجان المعنية».
وقال: «يتصل بنا عدد من الدول العربية وغير العربية أيضاً، ويقولون نحن حاضرون للدعم، لكن قولوا لنا أولاً أنتم كيف ستبدؤون، وضعوا لنا الإطار الذي ستبدؤون به لبنانياً. مسؤوليتنا أن نضع الإطار كدولة لبنانية، كحكومة لبنانية. أنا أدعو إلى إعطاء هذا الأمر أهمية كبرى، هذا من أول الأولويات الموجودة».
والأولوية الثالثة هي موضوع «بناء الدولة اقتصادياً واجتماعياً، وإعادة أموال المودعين، وكل هذه الأمور التي يحتاجها لبنان».
الانتخابات البلدية نموذج رائد
وهنأ الشيخ قاسم اللبنانيين بالانتخابات البلدية والاختيارية التي حصلت في جبل لبنان والشمال وطرابلس، لافتاً إلى أن هذه الانتخابات «دلّت بطريقتها وبأدائها على حماسة اللبنانيين لبناء الدولة، ونحن كنا من أول المشجعين، ومن المؤكدين على إجرائها في موعدها».
وقال: «هناك نجاحات حققناها بالتعاون بين حزب الله وحركة أمل في بلدات كثيرة، خاصة في منطقة جبل لبنان، عندما عملنا على التوافق، وأعطينا نموذجاً رائداً في المحافظة على صيغة العيش المشترك والتعاون من خلال تجربة حارة حريك. يعني في حارة حريك، الرئيس مسيحي، والأعضاء بحسب العدد مثلناهم بشكل طبيعي بالاتفاق بين حركة أمل وحزب الله مع القوى الموجودة. أيضاً نحن مقتنعون أن بيروت أيضاً يجب أن تُراعى فيها هذه الخصوصية، حتى يكون التمثيل تمثيلاً متوازناً».
اليمن ينتصر على أميركا
وختم الأمين العام لحزب الله كلمته بتهنئة اليمن «بانتصاره على أميركا، وبقائه شعلة للنور ودعماً لفلسطين». وقال: هذا اليمن العظيم بشعبه وقيادته وتضحياته وشهدائه وجرحاه وعطاءاته، الذي استطاع أن يُرغم أميركا على أن توقف عدوانها، أرغمها غصباً عنها، واستمر في رؤيته وقناعته بضرب الكيان الإسرائيلي دفاعاً عن غزة. كل التحية لهؤلاء الشرفاء».
كما توجه بالتحية إلى إيران «التي ترفع علم الحرية، والتي تعمل دائماً من أجل نصرة قضايانا في منطقتنا. لنا الفخر بالعلاقة معها، بقيادة الإمام الخامنئي».