لا يختلف إثنان على وصف العلاقات بين الكويت لبنان بالتاريخية الوثيقة، والروابط المتينة بين الشعبين لا تفكّها عاصفة، ولعلّ خير شاهد على دعمها للبنان هو ما قدّمته له إبّان المحن، ولا تزال، فلم تتردّد يوماً في مدّ يد العون اليه، داعمة قضاياه المحقّة.
أواصر الأخوّة والمحبّة التي تربط البلدين تُرجِمت في هذه الأيام العصيبة وقوفاً ودعماً كويتياً للبنان وشعبه؛ سياسياً وإغاثياً وإنسانياً، وعن ذلك يتحدّث القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الكويت أحمد عرفة لـ”المدى”، مُسلّطاً الأضواء على المواقف الكويتية الأخيرة الداعمة للبنان ضدّ العدوان الإسرائيلي، فيذكّر بداية بالاتّصال الكويتي على أعلى المستويات غداة العدوان الإسرائيلي على لبنان، وقد أجراه رئيس الحكومة الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح بنظيره اللبناني نجيب ميقاتي، مُعبّراً خلاله عن تضامن بلاده مع لبنان، ووقوفها بجانبه لتجاوز المحنة الصعبة التي يمرّ به، وناقلاً توجيهات أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح “بدعم لبنان بكل ما يحتاج إليه في هذا الوقت العصيب”.
واليوم، وفيما لبنان في قلب العدوان، يتكرّر المشهد الكويتي نفسه، كيف لا ومن أرض الكويت انطلقت المبادرة العربية في العام 2022 لدعم لبنان، بعد نشوب الأزمة الديبلوماسية مع دول خليجية، على خلفية تصريحات بشأن حرب اليمن؟
هذا الاتّصال سبقه بيان تضامني لوزارة الخارجية الكويتية أدانت فيه الكويت العدوان “ضدّ الجمهورية اللبنانية الشقيقة”، وأكّدت تضامنها ووقوفها إلى جانبها، رافضة “كلّ ما من شأنه المساس بسيادتها واستقرارها”، قبل أن تدين في الأمس القريب الهجوم الأخير على “اليونيفيل”، وتدعو المجتمع الدولي ومجلس الأمن الى التحقيق فوراً في هذه الهجمات ومحاسبة مرتكبيها، وتستعجل وقف العدوان على لبنان والالتزام بالقرارات الدولية.
بيان الخارجية أُتبِع في اليوم نفسه بموقف مشابه، حيث أكّد مجلس الوزراء الكويتي “تضامن دولة الكويت ووقوفها إلى جانب الجمهورية اللبنانية الشقيقة”، ورفض “كلّ ما من شأنه المساس بسيادة الجمهورية اللبنانية الشقيقة واستقرارها”.
كذلك تظهّر التضامن الكويتي مع لبنان في نيويورك، بخطاب وليّ العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح من على منبر الأمم المتّحدة، خلال مشاركته مُمثّلاً أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في أعمال الجمعية العامة، حين تحدّث عن انتهاكات اسرائيل الصارخة لكافة الأعراف والقوانين الدولية، واتّهمها بجرّ لبنان إلى الصراع القائم بالمنطقة، وبتجاهل الإرادة والمناشدات الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ودعا إلى تنفيذ القرار 1701 بشكل كامل. كما تظهّر في باريس، خلال مشاركة الكويت في مؤتمر دعم لبنان، فجدّدت بلسان الوزير المفوّض عبد العزيز الجارالله دعمها وتضامنها مع لبنان وشعبه ولكلّ ما يتّخذه من إجراءات لحفظ أمنه واستقراره واستعادة كامل مؤسّساته .
- القائم بأعمال السفارة اللبنانية لدى الكويت أحمد عرفة مع نائب وزير الخارجية الكويتية الشيخ جراح جابر الأحمد الصباح
وفي الجهود الإغاثية والإنسانية، لا يُخفي عرفة بأنّ الكويت هي دائماً في طليعة الدول المساندة والسبّاقة في تقديم المساعدات الانسانية، فتراها حاضرة عند أيّ زلزال أو أيّ حرب، كما حصل في غزة. ومع العدوان الاسرائيلي على لبنان، سارعت جمعيات أهلية كويتية عدّة، كجمعية عبدالله نوري وجمعية تنمية الخيرية على سبيل المثال، الى إطلاق نداءات لمساعدة لبنان، قبل أن يتحرّك الجسر الجوي الكويتي في الوقت المناسب، ضمن حملة “الكويت بجانبكم” لإغاثة لبنان.
استمرار تدفّق المساعدات الكويتية من ضمن هذا الجسر ليس مُستبعداً، بعد ارسال ثلاث طائرات إغاثية الى لبنان: الأولى من وزارة الصحّة الكويتية بحمولة 40 طنّاً تقريباً من مواد ومستلزمات طبّية بإسم الحكومة الكويتية والشعب الكويتي “الى الأشقّاء في الجمهورية اللبنانية”، والثانية من “جمعية الهلال الاحمر” بحمولة حوالي 42 طنّاً من مساعدات غذائية أساسية، والثالثة من “الهلال الاحمر” أيضاً بحمولة 40 طنّاً من مساعدات إنسانية.
وبالتوازي، يشير عرفة الى الجهود اللبنانية الفردية التي نشطت في الكويت لمساعدة الأهل والأقارب في لبنان، فالقانون لا يمنع اللبناني المقيم من مساعدة عائلته، خلافاً للعمل الجماعي، الذي يتطلّب ترخيصاً مُسبقاً وتعاوناً مع جمعية أهلية كويتية، والجالية اللبنانية في الكويت ترتبط عاطفياً بأهلها في لبنان، شأنها شأن أيّ جالية أخرى.
ويكشف عرفة بأنّ السفارة اللبنانية ستُطلق نهاية الشهر حملة تبرّعات عينية للبنان لجمع مساعدات، حصرها بالأدوية والمستلزمات الطبّية وفق لوائح وزارة الصحّة اللبنانية، وبحليب الأطفال، وبمواد النظافة الشخصية.
وفيما تبقى الأنظار متّجهة إلى الرياض لترقّب خطوة القادة العرب والمسلمين، تنتهج الكويت، كعادتها، سياسة العمل بصمت، وتجدها في المقابل تدعم أي مبادرة، كدعمها لعمل اللجنة الخماسية والجهود السياسية الدولية والعربية التي ترى أنها تصبّ في مصلحة لبنان والدول العربية كافة. وقد لمس عرفة من خلال تواصله مع عدد من المسؤولين الكويتيين أنّ النداء اللبناني ـ الأممي المشترك الذي أُطلق من السراي الحكومي لتوفير 426 مليون دولار لدعم لبنان، وما تلاه من مؤتمر في باريس وإقامة جسر جوّي كويتي، هذه المسارات هي قيد المتابعة الكويتية، وتحظى بالعناية اللازمة.
أمّا ديبلوماسياً، فأبواب وزارة الخارجية الكويتية تبقى مفتوحة أمام السفارة اللبنانية، ويحمل السفير اللبناني معه خطّياً أو شفهياً موقف لبنان الرسمي بناء على تعليمات وزارة الخارجية في لبنان، في لقاءاته واجتماعاته، سواء مع نائب وزير الخارجية الشيخ جراح جابر الأحمد الصباح، أو مع مساعدي وزير الخارجية لشؤون التنمية والتعاون، وشؤون الوطن العربي وشؤون المنظّمات الدولية.
وبالنسبة إلى التسهيلات الكويتية المقدّمة إلى اللبنانيين، فيذكّر عرفة بأنّ عدد أفراد الجالية اللبنانية يقدّر بنحو 40 الف، وبعد توقّف قسري بفِعل “جائحة “كورونا”، وقبل تصاعد وتيرة العدوان على لبنان، سمحت الكويت بالزيارات العائلية لمن يستوفي شروط الحصول على تأشيرة، مع تمديد لها، إنطلاقاً من تفهّمها المطلق للأوضاع في لبنان.