جنان جوان أبي راشد – خاص “المدى”
على الرغم من الفوضى العارمة في سعر صرف الليرة بين السوق النظامية والأسواق الموازية، لم يحصل توافق في مجلس الوزراء على تحرير سعر الصرف الذي لاقى رفضاً من “حزب الله” وحركة “أمل” و”تيار المردة”، وبالتالي سقط ما ورد في المسودة الأخيرة لخطة الحكومة المالية والاقتصادية حول هذه المسألة، وتم تأجيل هذا الموضوع، مع العلم أن السياسة المتبعة منذ ما بعد الطائف بدعم الليرة غير موجودة في أي دولة في العالم، على حد تعبير وزير المال السابق جورج قرم، الذي يؤكد أن ما أوصلنا الى ما وصلنا اليه هو تثبيت سعر الصرف وسياسة الفوائد.
ويشير قرم في حديث لـ”المدى” الى ان الليرة كانت حرّة منذ الاستقلال، وكانت من بين أقوى العملات في العالم، أما سياسة تثبيت سعر صرفها فبدأت في بداية التسعينات بهدف تقوية أرباح الاقتصاد الريعي كما يقول، موجهاً الاتهام الى أطراف حققت أرباحاً طائلة، وهي التي كانت تستدين بالدولار بفوائد 6 أو7 في المئة كي تقوم بتوظيفها في سندات الخزينة التي وصلت الفوائد عليها في بعض الأحيان الى 30 في المئة، معتبراً أن تثبيت سعر الصرف هو خطأ جسيم اقتصادياً.
ولفت قرم الى أن هذا الأمر هو بمثابة نهب للخزينة اللبنانية، متحدثاً في هذا المجال أيضا عمّا وصفه بـ”النفوذ والقوة السياسية للمصارف” منذ بداية التسعينات، ونحن اليوم في قمّة ديكتاتورية هذه المصارف.
وعمّا اذا كان تحرير سعر صرف الليرة بحاجة الى آلية معينة في حال تم التوافق عليه، يقول قرم إن السعر في الفترة الأخيرة بات عملياً محرّراً، إلا أنه انتقد الاجراءات والتعاميم التي يعتمدها مصرف لبنان والمكتوبة “بلغة غير واضحة وغير شفافة”، والتي أدّت الى أنه بات لدينا أكثر من أربع تسعيرات للّيرة بما يسمح للمضاربين بتحقيق أرباح فاحشة على حساب المستهلك اللبناني، واصفاً هذه المسألة بالحالة الشاذّة والفوضى المدمّرة للاقتصاد، فهي عنصر شلل أمام إعادة عجلة الحياة الاقتصادية.
ورأى قرم أنه إذا كانت هناك رؤية حكومية فبالإمكان أن يتمّ ترك سعر الليرة محرراً ومترافقاً مع فرض نوع من القيود على حرية التعامل بالدولار، وفي الوقت عينه دعم الطبقات الفقيرة على غرار المساعدات التي صرفت في الآونة الأخيرة.
منذ السبعينات والعملات المحلية في كلّ دول العالم حرّة وعائمة، فيما لبنان يغرّد وحيداً منذ ما بعد الحرب متكبّداً الخسائر بالمليارات باعتماده سياسة دعم الليرة. وقد تصاعدت أيضا الخسائر في السنوات الأربع الاخيرة بسبب اعتماد هندسات مالية كان هدفها استقطاب مصرف لبنان ما تبّقى من الدولارات التي أودعها اللبنانيون في المصارف لدعم العملة المحلية التي انهارت بانهيار المصارف وتبخّرت معها الودائع.