رندلى جبور- خاص “المدى”
قليلاً ما تجد إجماعاً لدى متناقضي الهوى السياسي أو الخصوم حول شخصية معينة. مسعود الاشقر، بخلاف التقليد، حظي بهذا الاجماع، فكان بالنسبة للجميع: الآدمي، الشريف، الصادق، المناضل الحقيقي، المعطاء، المبدئي، والمقاتل الشرس بابتسامة مضيئة.
مسعود الاشقر، ذاك الستيني الذي غلبه كورونا، كان هو الغالب حين اقتحم الخطر أبواب الاشرفية ذات ثمانية وسبعين. فبوسي وهو مؤسس وحدات الدفاع عن بيروت وقائدها في الصف الامامي، قاتل مع مجموعته السوريين في حرب المئة يوم والتي انتهت بتحرير حبيبة بوسي الأولى الأشرفية، لدرجة أن كثيرين من أبنائها كانوا يقولون: لن نهاجر ولن نترك أرضنا طالما مسعود الأشقر يدافع عنها وعنا.
دافع بوسي عن الأرض وعن الهوية وعن الشرعية وعن الدولة وعن العيش الواحد. فالمسيحي حتى العظم، عشق لبنان المتنوع، ولبس البذلة العسكرية إلى جانب الجيش اللبناني الذي كان يعتبره الخط الاحمر وضمانة الجميع. وحين ناداه واجب الدفاع عن الشرعية في بيت الشعب في تشرين التسعين، لبس المرقّط وتوجّه إلى جانب الجنرال ميشال عون متطوعاً ليكون اليد التي تحمل سيف الدفاع مرة جديدة عن لبنان الوطن السيد والحلم والغد.
مسعود الاشقر اسم يوضع إلى جانب التحرير، على نفس سطر القضية وحملها بصلابة وشجاعة وإقدام، والمفارقة أنه كان البطل بتواضع قلّ مثيله.
هو من شريحة الشرفاء الذي لم تلوّثه الحرب ولا أغراه فساد السلم. هو الذي حين ألقى سلاحه العسكري عند اختلاف الاخوة، لبس الخدمة الانسانية والاجتماعية وانطلق يساعد محبيه في بيروت الاولى التي ترشح عنها على لائحة لبنان القوي في العام 2018 ولكن الحظ لم يحالفه. ومع ذلك، لم يجلس جانباً ولا أخذ قسطاً من الراحة، بل أخذ يقدّم كل ما يستطيع لأهله وأبناء دائرته وكل من يقصده من أينما كان على خارطة ال10452 التي كان يقدّسها. نادى مسعود الاشقر، وهو حمل لقب الأمين العام للاتحاد من أجل لبنان، بالمواطنة واللامركزية ومكافحة الفساد وبناء الدولة وكرّس حياته للناس فتحوّل أيقونة في زمني الحرب والسلم.
ومع أنه حمل البندقية إلا أنه لم يؤمن إلا بلغة الحوار. بندقيته حملها للدفاع عن أرضه ووطنه، والحوار وضعه أساساُ لبناء الوطن الواحد.
مسعود الاشقر المولود في الاشرفية من طبيب ومتطوعة في الصليب الاحمر، اكتسب جينات الخدمة والوطنية وطوّرها ليصبح اسماً لن يتكرر في فرادته وحبّه الذي بفضله قاتل ودافع وأعطى كل حياته، إلى أن انتهت بفيروس كان أبشع عليه من الاحتلالات والمدافع في زمن الحرب، ومن الفساد والنفسيات المريضة وقلة التقدير ربما في زمن السلم.
ومع كل مرّ به بوسي إلا أنه كان دائماً مشعلاً للأمل الذي به يضيء طريق اليائسين. وحتى في موته لن نترك الامل الذي بقي يحمله حتى آخر اتصال هاتفي معه، قبل أن يتصل جسده بالماكينات ويختنق الصوت.