رندلى جبور- خاص “المدى”
سنة 2019 التي بدأت بتشكيل حكومة “إلى العمل” برئاسة سعد الحريري ، انتهت بلا حكومة وبلا سعد الحريري كمكلّف. فحراك 17 تشرين المخطط له في غرف عمليات داخلية وخارجية، أعاد خلط الامور، وأحياناً جرت الرياح بعكس ما كان يشتهي البعض إن من الحراك أو ممن أراد ركوب موجته.
وبالتالي يبقى الحدث الابرز للعام الراحل هو هذا الحراك المسمى تارة ثورة وطوراً انتفاضة شعبية وغيرها من المسميات. وهو أتى وللمفارقة والتذكير، بعد كلام سيادي للرئيس ميشال عون في الأمم المتحدة وبعد نشاط مفصلي للتيار الوطني الحر في ذكرى 13 تشرين أعلن فيه جبران باسيل توجهه إلى سوريا لإعادة الشعب السوري، طالباً من العماد عون الضرب على الطاولة لقلبها.
فسبقه الانقلاب الاخر الذي أتى أيضاً بعد سلسلة حرائق بلغت ال104 في مختلف المناطق وخصوصاً المشرف والدبية والدامور ثم عاليه والمتن وكسروان والشمال، وأدت إلى وفاة سليم بو مجاهد خلال مساعدته في إخماد النيران المندلعة بطريقة مريبة. وأتى كذلك على أعقاب لائحة من الازمات المشتبه بأنها مفتعلة وخصوصاً أزمة البنزين، مع الإشارة هنا إلى أن الوزيرة ندى البستاني أدخلت الدولة ولأول مرة في العام 2019 إلى سوق البنزين من خلال مناقصة لشراء 10% من حاجة البلد، لاوية بذلك يد الاحتكارات وكارتيلات النفط بشجاعة.
وفي بعض الخطوط العريضة لحراك 17 تشرين الذي اتخذ سبباً مباشراً له، الكلام عن وضع رسم على اتصالات الواتساب بعبقرية الوزير محمد شقير وإيحاء من الوزير غسان حاصباني، نذكر:
– قطع الطرقات في عدد من النقاط الاساسية والثابتة في لبنان مثل الزوق وجل الديب والشيفروليه والرينغ وطرابلس وعكار والبقاع وغيرها ولم يتدخل الجيش لفتح الطرقات وتحرير المواطنين من اعتقالهم إلا بعد ثلاثة أسابيع من التعطيل الذي طاول المدارس والجامعات والإدارات العامة والمؤسسات الاقصادية.
– إعلان رئيس القوات سمير جعجع استقالة وزرائه الاربعة من الحكومة.
– الإعلان عن ورقة إصلاحات لم يسع الرئيس سعد الحريري إلى تطبيقها بل ذهب إلى استقالة حكومته بطريقة مباغتة ومن دون التنسيق مع أحد
– سلسلة تحركات في ساحتي الشهداء ورياض الصلح وأمام بعض الادارات والمرافق العامة
– تحرك رمزي لافت لمؤيدي الرئيس ميشال عون على طريق قصر بعبدا دعماً له بسبب ما تعرّض له من إهانات وظلم والرئيس عون أطلّ على الناس 4 مرات مخاطباً إياهم وداعياً إلى الحوار.
– مقتل الشاب علاء أبو فخر بإطلاق النار عليه من سيارة المقدم نضال ضو حين كان الاول يقطع الطريق في خلدة، مع العلم أن الاثنين مقربان من الحزب الاشتراكي ومع الإشارة إلى أن قطع الطرقات أدى إلى مقتل أكثر من شخص في عدة مناطق.
– حرق الكثير من الاسماء لتكليفها تشكيل الحكومة أبرزها محمد الصفدي وبهيج طبارة وسمير الخطيب وحرق الاخير أتى عن طريق دار الافتاء.
– تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة بعد 50 يوماً من استقالة الحريري وتردده وحرقه الاسماء وفرضه الشروط، وذلك بغالبية 69 صوتاً مقابل 42 لا تسمية و14 صوتا لنواف سلام وصوت لحليمة قعقور. ويمضي دياب بمهمة التشكيل على رغم إشعال الشارع الأزرق في وجهه وسلسلة التحركات الاحتجاجية في مناطق المستقبل وأمام منزل دياب.
ورافقت الحراك حرب مالية واقتصادية وأزمة كبيرة هي أزمة المصارف ووضع سقوف محدودة للسحوبات أرهقت المواطن وجعلته شحاذاَ على أبواب المصارف لأخذ ماله هو. إلا أصحاب الاموال الكبيرة الذين هرّبوا الملايين إلى الخارج وهو ما فُتح تحقيق بشأنه على أبواب نهاية العام.
ومع الأمل بالخروج من هذه المعمعة، نعود إلى ما قبل 17 تشرين وأهم أحداث هذا العام. فقد شهد لبنان في ال2019 انعقاد القمة الاقتصادية العربية التي صدر عنها إعلان بيروت ومبادرة للرئيس عون لإنشاء مصرف عربي لتمويل إعادة الاعمار والتنمية في الدول التي ضربتها الحروب وارتداداتها.
وأبطلت نيابة ديما جمالي بطعن مقدّم من طه ناجي فأجريت انتخابات فرعية في طرابلس أعادت جمالي إلى الجنة البرلمانية مع نسبة اقتراع لم تتعد ال12.5% . وقبيل فرعية طرابلس، كانت مصالحة بين سعد الحريري واشرف ريفي برعاية فؤاد السنيورة. وبرلمانياً أيضاً استقالة مشرّفة للنائب نواف الموسوي على خلفية الإشكال الذي حصل بين ابنته وطليقها، ففضل الموسوي أن يكون أباً أولاً.
وفي الأمن أكثر من حدث بارز ولكن نسجّل ثلاثة: الاول الاعتداء الإرهابي الذي نفذه الداعشي عبد الرحمن مبسوط في طرابلس وأدى إلى استشهاد ضابط ورتيب في الجيش وعسكريين في الامن الداخلي، وقد عاد مبسوط وفجّر نفسه بحزام ناسف عند دهم المخابرات الشقة التي لجأ إليها.
والثاني حادثة قبرشمون بتوقيع الحزب الاشتراكي واتخاذ زيارة باسيل إلى عاليه حجة، واستشهاد اثنين من الحزب الديمقراطي اللبناني وكل الزعزعة في العلاقات التي حصلت بعد هذه الحادثة وسجال المجلس العدلي أو القضاء العسكري والارتدادات الامنية والسياسية لها، مع العلم أن مناصري الاشتراكي كانوا قطعوا قبل ذلك الطريق في كفرمتى لمنع مرور موكب باسيل ضمن جولة له أيضاً في عاليه.
والثالث: سقوط طائرتين إسرائيليتين مسيرتين من دون طيار فوق الضاحية الجنوبية لبيروت ومن ثم رد حزب الله الذي دعا الإسرائيليين إلى الوقوف على إجر ونص، من خلال استهداف آلية عسكرية إسرائيلية على بعد 4 كلم من الحدود وسقوط جرحى للعدو ما استدعى رداً إسرائيليا محدوداً تمثل بإطلاق قذائف على خراج بلدات مارون الراس وعيترون ويارون. وبعد أيام، أسقط حزب الله طائرة إسرائيلية مسيرة لأول مرة في محيط بلدة رامية في الجنوب واستحوذ عليها.
وبين الامن والقضاء أخبار عدة أبرزها في العام 2019: توقيف المدير العام للتعليم العالي أحمد الجمال في ملف الشهادات المزورة، والادعاء على عضو المجلس الاعلى للجمارك غراسيا القزي بجرمي تبييض الاموال والرشوة، وتوقيف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر بعد كلامه البزيء بحق البطريرك نصرالله صفير الذي شكّلت وفاته هذه العام حدثاً أيضاً، واستقالة الاسمر من رئاسة الاتحاد. وصدور حكم البراءة للمقدم سوزان الحاج ولكن تم التمييز بالحكم والقضية مستمرة، وعودة نزار زكا من إيران حيث بقي مسجوناً 4 سنوات وذلك بمبادرة من الرئيس عون وتنفيذ اللواء عباس ابراهيم، وتوقيف العميل عامر الفاخوري الذي كان آمر معتقل الخيام والذي دخل إلى لبنان بجواز سفر أميركي، وتوقيف القاضية غادة عون لمديرة النافعة هدى سلّوم بتهم فساد ورشوة وإثراء غير مشروع، وما رافق هذا التوقيف من بلطجة للنائب هادي حبيش الذي تم الادعاء عليه بالجرم المشهود.
أما على خط تحركات الرئيس عون، فقد كانت له مواقف لافتة في قمة في موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين، وفي القمة العربية في تونس والجمعية العامة في الامم المتحدة. وقد أيدت الجمعية العامة مبادرة الرئيس عون لإنشاء أكاديمية الانسان للتلاقي والحوار في لبنان بأكثرية 165 صوتاً مقابل رفض الولايات المتحدة وإسرائيل. كذلك دعا الرئيس عون إلى طاولة حوار اقتصادية في بعبدا وتشكيل هيئة طوارئ، مستشرفاً الوضع الاقتصادي والمالي، مع الإشارة إلى أنه يتحرك على هذا الصعيد مع أن المسؤولية ليست على عاتقه هنا. هذا ووجه الرئيس عون رسالة إلى المجلس النيابي يطلب فيها تفسير المادة 95 من الدستور، ولكن أي جلسة في ظل الواقع الراهن لم تنعقد، ولا حتى تلك التشريعية التي كان على جدول اعمالها اقتراحات لمحاربة الفساد والضمان الاجتماعي، ملغومة بقانون العفو العام.
أما وداعات هذ العام على الصعيد الوطني فكثيرة. فقد توفي في العام 2019 الكاتبة مي منسى والصحافي إدمون صعب، والنواب روبير غانم وعبد اللطيف الزين وسامي الخطيب، بالإضافة إلى البطريرك نصر الله صفير والمخرج سيمون أسمر والوزير السابق ميشال إدة والفنان وليم حسواني وهذا التعداد يأتي ضمن السياق الزمني التتابعي لوفاتهم.
ويبقى أننا نودع العام مع أملين: الاول بدء التنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني وحفر أول بئر قريباً جداً وقد وصلت المعدات وهذا إنجاز يسجل لندى البستاني، والثاني تشكيل حكومة إنقاذية تخرج لبنان من الوضع القائم وخصوصاً على الصعيدين المالي والاقتصادي.
ونحن أبناء الامل في وطن هو وقف لله على الارض. وطننا قد يهتز ولكنه لن يقع وخصوصاً مع ميشال عون. فإلى اللقاء في سنة نريدها مستقرة ومزدهرة.
